قبل أشهر فجّر وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة قنبلة من العيار الثقيل عندما أعلن أن تعداد البحرين تجاوز حاجز المليون نسمة بـ47 ألفا.
كان الرقم مخيفا جدا، فقد اكتشفنا فجأة أن سكان هذا البلد الصغير زاد ربع مليون في وقتٍ قصيرٍ جدا. كما أن الرقم الذي كنّا نتداوله في الصحافة وتبني عليه الوزارات حساباتها لسنوات كان رقما مزيّفا. والكلّ يعلم ما يواجهه البلد من ضعفٍ في بنيته التحتية، ومظاهر ذلك في مشكلات انقطاع الكهرباء والماء، وازدحام الطرق ومشكلات التعليم والصحة والإسكان. فإذا أضفت هذه الأحجام السكانية الكبيرة دفعة واحدة فإنك حتما ذاهبٌ بالسفينة إلى المجهول.
الرقم المخيف تمّ بلعه، فلكثرة ما ردّدته الصحافة أصبح رقما مألوفا على الأذن، مع أنه رفع معدل الكثافة السكانية من 1042 إلى 1475 شخصا في الكيلومتر المربع؛ مما وضعنا في مصاف بنغلاديش وقطاع غزة، أكثر البلدان والمناطق كثافة بالسكان في العالم.
على أن القنبلة الجديدة فجّرها أمس الأول السفير الهندي في المنامة بالكريشنا شيتي، حين أعلن لصحيفةٍ محليةٍ ناطقةٍ بالإنجليزية أن الجالية الهندية وصل تعدادها إلى 290 ألفا، وأن معدل توافد الهنود إلى البحرين يصل إلى خمسة آلاف شهريا.
الرقم مخيفٌ جدا... وإذا كان السفير دقيقا في أرقامه - وأحسبه كذلك - فالعدد سيضرب سقف 300 ألف نسمة مع نهاية شهر أغسطس/ آب المقبل، أو مطلع رمضان المقبل. كما أن الرقم يعني أن الجالية الهندية ستصبح عمّا قريب أكبر الكتل البشرية في التركيبة السكانية في البحرين. والحالة البحرينية التي كنا نفاخر بها عبر الأجيال من بين دول الخليج الأخرى من حيث التجانس السكاني والترابط الاجتماعي ستصبح حديثا من الماضي.
السفينة تغرق هكذا والبحرينيون مشغولون اليوم بمناكفاتهم السياسية الصغيرة، وخلافاتهم التي لا تنتهي. وبعد أن اقتربوا من إقرار قانون للصحافة، تراجعوا إلى إجراءات «أمنية» تهدّد بنسف ذلك الهامش الذي أنجزوه من حرية التعبير.
البحرين تغرق وتتخلخل بنيتها السكانية، لغير صالح المواطنين، وما يعنيه ذلك من ضياع هوية، وتفكّك مجتمع، على حين نحن منشغلون بحلّ مشكلاتنا عبر الحلول الترقيعية مثل استقطاع الواحد في المئة، وتقديم إعانة العاطلين المؤقتة بدل توفير البرامج التعليمية الجادة لتأهيل العمالة الوطنية وتدريبها لتأخذ مكانها في عملية الإنتاج.
السفير الهندي قبل شهورٍ خاض حربا، أو خِيضت ضده حربٌ، عندما طالب بوضع حدٍ أدنى لأجر العامل الهندي، وخرج البعض من طورهم فطالبوا بطرده؛ لأن مطالبته تسببت بتحريض عمّال بلاده على الإضراب في عدد من الشركات والمؤسسات. وخرج الرجل ولملم القضية فيما يشبه التراجع والاعتذار.
اليوم، يعود السفير الهندي ليؤكد لنا سقوط المعادلة التي حكمت علاقات العمل بين الهند ودول الخليج خمسين عاما. فلم يعد العامل الهندي المحتاج إلى العمل في بلادنا، بل أصبحنا نحن المحتاجين إليه. فقبل سنوات «كان لدينا نحو 140 ألفا، ولكن الطلب على عمّالنا كان جوهريا؛ انعكاسا للثقة والقدرة والانضباط لدى العامل الهندي»، كما قال السفير.
الكتلة الهندية ستكون أكبر مكونات تركيبتنا السكانية، وستأتي المطالبة دوليا بالحقوق المدنية والسياسية... على حين لانزال نتناقش في تعديل الدوائر الانتخابية الظالمة واللائحة الداخلية للبرلمان!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ