على مدى السنوات الخمس الماضية شهدت صناعة البرمجيات وتقنية المعلومات البحرينية شيئا من النمو. ربما كان هذا النمو بطيئا ومحدودا، لكنه يبقى مهما عندما نضعه في إطاره التاريخي أولا، وفي نطاق الإمكانات البشرية والمالية التي بحوزة البحرين ثانيا وليس أخيرا. ونحن هنا لانتكلم من فراغ ولا بشكل مجرد، بل نتناول قضية محددة هي صناعة المعلومات في البحرين، متجاوزين بذلك صناعة البرمجيات التي ندرك مقدما صعوبة ولوج البحرين حقولها، نظرا للمنافسة الشديدة التي تسود أسواقها من جهة، ولمهارة وتمرس وضخامة الإمكانات التي بحوزة الجهات الضالعة في تلك الأسواق من جهة ثانية.
وما يدفعنا نحوالحديث عن تقنيات صناعة المعلومات هي الدلائل التي تشير إلى أن هذه الصناعة ستشهد نموا سريعا ليس على المستوى العربي فحسب، وإنما على المستوى العالمي أيضا، فهي تنمو على مستوى العالم بمعدل سنوي يصل إلى حوالى 16 في المئة، في الوقت الذي ينمو فيه الإنتاج العالمي الكلي بمعدل 2,5 في المئة، وعدد السكان بمعدل 1,6 في المئة، هذا من جانب، من جانب آخر تشهد نسبة مساهمة هذه الصناعات في إنتاج العالم ازديادا، إذ تضاعف معدل النمو أكثر من 6 مرات.
وإذا كان التعريف التقليدي لصناعة تقنية المعلومات يعتمد على «على مبدأين رئيسين، هما: التصنيف على أساس طبيعة تكوين المنتجات (الخدمات)، وهذا ينقسم بدوره إلى قسمين؛ هما: التكوين المادي، ويشمل الأجهزة الإلكترونية والشبكات والحواسيب وملحقاتها، والتكوين البرمجي، ويشمل برامج الأنظمة والتطبيقات وأنظمة المعلومات، والتصنيف على أساس الخدمات التي تقدمها هذه المنتجات (الخدمات)، وهذا ينقسم إلى قسمين؛ هما: التكوين المادي، ويشمل خدمات الاتصالات والشبكات وخدمات الحواسيب وملحقاتها، والتكوين البرمجي، ويشمل خدمات البرامج والتطبيقات، وأنظمة المعلومات، وتطوير البرامج والأنظمة الخاصة».
يغفل هذا التعريف مكونا أساسيا من مكونات صناعة تقنية الإتصالات والمعلومات وذلك هو المحتوى الإلكتروني (e-content)، والتي كانت البحرين من الدول العربية السباقة في ميدان إحتضان أهم انشطتها على مدى السنوات الماضية. بل إنها كانت أول دولة عربية تخصص جائزة محلية للمحتوى الإلكتروني. وهنا لابد أن يقدر الدور الذي مارسته جمعية البحرين للإنترنت كي تحقق البحرين ما حققته على هذا الصعيد.
وإن أردنا أن نتحدث عن مبررات قيام كونسورتيوم بحريني محلي ومقومات نجاحه التي ينبغي أن تتمحور في صناعة المحتوى الإلكتروني، فنحن نتحدث عن ضرورة أن ينطلق مصنع المحتوى الإلكتروني من حقول محددة يمكن أن يكون أولها، حقول التعليم والصحة والسياحة، بفضل العوامل الآتية: على مستوى المحتوى الإلكتروني في مجال التعليم، هناك الوعاء المحلي الذي هو في أمس الحاجة إلى مثل هذا المحتوى، والذي هو مشروع جلالة الملك والمعروف بمدارس المستقبل، الذي يمكن أن يكون بوتقة اختبار للمنتجات التعليمية التي تصنعها أياد بحرينية. ونحن على ثقة أن هذا المشروع الذي مضت على تدشينه أكثر من أربع سنوات قادر على أن يكون رافعة أساسية في صناعة هذا النمط من المحتوى الإلكتروني، بل ربما كانت تلك المهمة من صلب المسئوليات الملقاة على عاتقه. ولكي نعرف أهمية المحتوى الإلكتروني نستعير هنا مقولة العالم التربوي ويليام غلاسر، الذي يرى أن الإنسان يتعلم: 10 في المئة مما يقرأه، و20 في المئة مما يسمعه، و30 في المئة مما يراه، و50 في المئة مما يراه ويسمعه، و70 في المئة مما يناقشه مع الآخرين، و80 في المئة مما يجربه.
المجال الثاني هو الصحة، وتعتبر البحرين من الدول التي بحوزتها معلومات جيدة عن الوضع الصحي والخدمات الصحية التي يمكن أن تتحول إلى مواد إلكترونية ذات قيمة سوقية يمكن أن يبنى حولها مجتمع إلكتروني يضع المعلومات الصحية في صلب اهتماماته، الأمر الذي يعطي هذه المعلومات، ومن ثم البحرين إمكانات بناء صناعة معلومات صحية متقدمة، وبمعايير عالمية. ومما لاشك فيه أن لسياسة خصخصة الخدمات الصحية في البحرين بعدا إيجابيا لأي مشروع يقوم على تحويل تلك المعلومات إلى سلعة ذات قيمة مضافة.
المجال الثالث هو المجال السياحي، ومن المعروف أيضا أن البحرين مقدمة على بناء بوابة إلكترونية سياحية متقدمة، الأمر الذي من شأنه فتح الباب أمام صناعة سياحية إلكترونية متقدمة تقع البيانات في القلب منها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ