نحن جيل عاصر النكبة والنكسة والكثير من الهزائم والكبوات والكثير من المفردات والمسميات التي خلقها وأطلقها النظام الرسمي العربي؛ ليبرر من خلالها هزائمه وتقاعسه وفشله وفساد هيكليته ومنهجيته. وها هو تموز آخر يعيد لنا الأمل، ويكرس نهجا طالما حاول النظام الرسمي العربي وطبّالوه ومناصروه أن يشوهوا صورته، ويشككوا في صدقيته وفاعليته في مقاومة قوى البطش والاحتلال والهيمنة الأمروصهيونية في منطقتنا العربية وعلى امتداد عالمنا الإسلامي.
ها هو نهج المقاومة والشموخ يحقق انتصارا تلو الآخر، فمن انتصار العام 2000 عندما هربت جحافل الاحتلال من الجنوب اللبناني تحت جنح الظلام متخلية وراءها ليس عن معداتها الثقيلة وأسلحتها فقط وإنما كذلك عن عملائها الذين تجمهروا أمام بوابات الولوج إلى الأرض الفلسطينية المحتلة في محاولة للهروب مع سادتهم خوفا من الذين قاسوا ويلات القتل والتشريد والسجن والتعذيب على أيديهم الملوثة بالخيانة لشعبهم ووطنهم وأمتهم. وعلى رغم ذلك تعاملت المقاومة وجماهيرها معهم بأسلوب حضاري لم تمارسه قبلهم أية مقاومة منتصرة في التاريخ الحديث.
وها هو سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يقف شامخا لا ليؤكد صدق وعده فهو من كرّس من خلال المقاومة اللبنانية الباسلة أنه لا خيار لهذه الأمة إلا خيار المقاومة ونهج المقاومة، وإنما ليزف لجماهيره العربية والإسلامية انتصارا آخر في ذكرى انتصار تموز 2006 بعودة الأسرى من أحياء وجثامين شهداء عمّدوا هذا الانتصار بدمائهم وعنادهم الأسطوري في سجون العدو الصهيوني.
وكلها أيام ويطلّ علينا عميد الأسرى الأسير المناضل سمير القنطار ليرد على المتشككين والمتمسكين بالمشروع الامروصهيوني، ويلجم ألسنتهم فلا يجدون ما يعلنونه غير بضع جمل تحاول أن تندثر في خضم فرحة الجماهير اللبنانية والعربية بلبوس الانتصارات، على أمل أن تنسى هذه الجماهير تاريخهم وحاضرهم ومكابرتهم ووقوفهم في صف أعدائها وترويجهم لمشروع هذا العدو.
والحقيقة إن لهذا الانتصار بعدا آخر هو مستوى الوعي والإدراك الذي تتمتع به قيادة المقاومة الإسلامية في حزب الله بشكل خاص والمعارضة اللبنانية بشكل عام في رسم نهج تحالفاتها وعمق فهمها لمعطيات ساحتها وإدراكها العميق وتحليلها العلمي لكيفية التعاطي مع جماهيرها وأوضاع وخصوصية واقعها وخريطتها السياسية.
وها هو العمود الفقري للمعارضة اللبنانية ممثلا في حزب الله وبكل تواضع وبعيدا عن الجري وراء أية استحقاقات يعلم جيدا أنه قادر على جنيها, يسعى إلى ترشيح وزير درزي هنا وسني هناك، ويدعم حلفاءه على رغم أنه يعلم جيدا قدرته على جني كل تلك الاستحقاقات من دون حاجة لدعم هؤلاء الحلفاء. هنا يكمن بعد النظر وتكمن قدرة هذه القيادة على استيعاب الظروف المحيطة بها وواقع بلدانها وحاجتها لبناء مشروع وطني جامع يساهم فيه كل الحلفاء وكل المقتنعين والمدافعين عن مشروعها ونهجها الوطني. وهنا تكمن قدرة هذه القيادة على وضع المشروع الوطني نصب عينيها، واختيار أكفأ الكوادر من مختلف التيارات لتعمل على تحقيق هذا المشروع من خلال رؤية واضحة ومنفتحة وشفافة. وهنا هو سر نجاح حزب الله وقيادته كعمود فقري للمعارضة اللبنانية التي وضعت لبنان والمواطن اللبناني على أعلى سلم أولوياتها بعيدا عن الطأفنة والمذهبة والتحزب, وحققت له كرامته وسيادته التي فشل النظام العربي الرسمي وما يسمى بدول الاعتدال العربي من تحقيقه أو استرجاع أسير واحد على رغم معاهدات الخزي والعار التي وقعوها مع العدو.
ولا يسعنا إلا أن نرفع التهنئة للمعارضة اللبنانية بشكل عام ولسماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله، ونشكرهم على أنهم مكّنوا هذا الجيل قبل أن يموت ويدفن من أن يرى ويشهد ولادة الأمل ومعايشة الانتصارات التي كرّست نهج المقاومة الشعبية والوطنية للمشاريع الامروصهيونية وحلفائها في المنطقة، وبشرت بمستقبل مضيء. شكرا سعادة الأمين العام سماحة السيد حسن نصرالله، فقد وعدت وصدقت كما عودتنا دائما، ونردد معك مقولتك الشهيرة: «إن النصر آت... آت... آت... بإذن الله».
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ