أبهرتني تلك الكاتبة الأميركية المطّلعة على الوضع البحريني بشكل يلفت الانتباه، وأعجبتني ردودها في الانترنت حول الأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مملكة البحرين.
وحاولت أن أتكلم معها وأحاورها في الشأن الاجتماعي، فوجدتها تريني بعض المقالات التي نشرتها في إحدى الصحف المحلية التي تنشر باللغة الأجنبية، فسألتها منذ متى وهي تعمل في هذه الصحيفة، ولكن هالني ما أمطرتني به من كلمات!
ذكرت هذه السيدة أنها «كاتبة بلا قلم»، أي لم يتبنها أي أحد من رؤساء الصحف المحلية التي تكتب باللغة الانجليزية، وأنها كانت تكتب في الصحيفة تعليقا أو خاطرة أو تعقيبا عن بعض الأمور الحياتية في البحرين، وخصوصا أنها تعيش في مملكتنا منذ ما يقارب الربع قرن، وتعرف العادات والتقاليد المناطة بنا بسبب زواجها من رجل بحريني، وأنها لا تكتب بصورة رسمية وإنما رسائل ترسل إلى صفحة شبيهة ببريد القراّء.
ومن هنا سألتها لماذا لم تقدمّين للعمل في هذه الصحيفة، فقالت: حاولت أكثر من مرة ولكن كان ينقصني شيء مهم بها، فسألتها ما هو؟
فأجابت أن السبب الرئيسي في عدم قبولها هو فيتامين «الواسطة»، حيث إنها لا أحد يعرفها أو يعرف عائلة زوجها.
كما ذكرت أنه من المحتمل كذلك أن يكون السبب الثاني هو عدم القبول ببعض مقالاتها التي قررّت هذه الصحيفة عدم نشرها؛ لأن بعض الآراء التي تكتبها لا توافق سياستها، على رغم وجود الصحة والموضوعية فيما تكتبه، وأنها ما زالت تنتظر الفرصة حتى تثبت وجودها وتفيد قرّاءها، فهي لم تجد إلى الآن تلك الصحيفة التي تصدر باللغة الأجنبية والتي يكون رئيس تحريرها مبدعا وحرا، يتعامل مع كتّابه على أساس الحرية.
إن أهل البيت الذين ينظرون من خلال نافذتهم إلى الخارج، يحتاجون في بعض الأحيان إلى الآخرين الذين ينظرون إلى النافذة نفسها من الخارج، بمعنى أننا نحتاج في بعض الأحيان إلى من يغذينا بالأفكار الأخرى، حتى نأخذ احتياطنا إن كانت هناك أمور خاطئة أو نعزز الأمور الصحيحة التي توفر للمواطن وللدولة الاستقرار.
وهذه الكاتبة تظن أن الأجانب الذين يعملون هنا لهم آراؤهم وأفكارهم عن الأوضاع المعيشية في الدولة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى السياسية، وأنه من غير المنصف عدم أخذ آرائهم، في حين أنهم يشعرون بانتمائهم إلى الدولة أكثر من وطنهم نفسه، بسبب الفترة الطويلة التي قضوها معنا والتي هي أكثر من عيشهم في وطنهم الأم.
ومهما كانت قصة هذه الكاتبة التي تكتب بلا قلم، والتي كان مصيرها شبكة الانترنت للتعبير عن رأيها مقتدية بالكثير من البحرينيين المحبطين، الذين لم يستطيعوا الوصول إلى الصحافة فاتجهوا إلى شبكة الانترنت لإيصال أفكارهم وآرائهم، فإننا نتساءل عن إمكانية وجود صحيفة بحرينية تصدر باللغة الانجليزية تعبّر عن الرأي والرأي الآخر، حيث إن الأجانب في بلدنا يشكلون نسبة غير قليلة تحتاج إلى من ينوّرها، ومن ناحية أخرى فإن وجود هذا النوع من الصحف الأجنبية دليل قاطع على الديمقراطية التي تنشدها الدولة.
ولنعلم بأن القوة ليست من خلال إسكات الناس وقمع أفكارهم، بل من خلال إتاحة الفرصة للآخرين بالتعبير عن آرائهم، وإنني في انتظار من يتبنى هذه الكاتبة التي من الممكن أن تختلف معنا في عاداتنا وتقاليدنا، ولكن من الأكيد أنها ستفيدنا في بعض الأمور والجوانب الحياتية التي تهمنا!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2130 - السبت 05 يوليو 2008م الموافق 01 رجب 1429هـ