العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ

ميلاد المسيح

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لعل النبي عيسى (ع)، هو الوحيد الذي احتفى بمولده القرآن الكريم منذ لحظة الحمل به وولادته... حتى ساعة رفعه إلى السماء.

ولعل هذا الاحتفاء من الأسرار الإلهية، التي يقف المرء أمامها مندهشا، وهو يرى كتاب دين سماوي يحتفي بمولد نبي دين «آخر»، بكل هذا التبجيل والتقديس. ويخصّص سورة باسم والدته، تتحدّث عن تفاصيل الحدث، حيث ألجأت المفاجأة السيدة مريم (ع) إلى جذع النخلة، وجاءها النداء بهزّها لكي تُساقط عليها رطبا جنيا، و»كلي واشربي وقرّي عينا»، وأمرها بالصوم عن الكلام ليتولّى الدفاع عن طُهرِها من كان في المهد صبيا... لتبقى آية باهرة على مر الدهور.

الأديان تستقي من نبعٍ واحد، ولكن البشر حوّلوها إلى جزرٍ معزولة تباعد بينها أنهار الأحقاد والدماء، بعد أن لعبت السياسة والمصالح بالأديان والمذاهب، واستخدمتها في إثارة النزاعات والحروب باسم السماء.

من هنا يُحسب لجمعية «المرسم الحسيني» احتفالها بمولد المسيح (ع)، كبادرةٍ طيبةٍ للانفتاح على الآخر، المسيحي، مواطنين أو مقيمين من الجاليات. هؤلاء يرون هذه البادرة تأكيدا على الصورة المشرقة للبحرين، التي تجسّد قيم التعايش والتحاب والانفتاح على الآخر، مهما كان دينه وانتماؤه.

عندما تتابع مثل هذا الحدث الثقافي الجميل، الذي شارك فيه فنانون وفنانات من مختلف المناطق والمذاهب والانتماءات، لن تجد أحدا يفكّر في «ضلال الآخر»، واعتبار مفاتيح الجنة بيده وحده، وإنّما هناك مبدأٌ نبويٌ إنسانيٌ رفيع: «إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق». فالآخر تجمعُك به الإنسانية، إن لم يجمعك به الدين أو الطائفة أو القبيلة أو الزقاق. وهو ما لمحه مدير البرامج بإحدى القنوات ذات الطابع الثقافي السياحي، بقوله: «ما يهمني جدا الشعار الذي اتخذوه في المرسم: إنسانيتك هي الأهم».

لا يهمنا كثيرا الحديث عن «المرسم الحسيني»، فأنشطته تتحدّث عنه، وإنما يهمنا إسهامه في إطلاق هذه الرسائل المشرّفة للبحرين وأهلها، ومشاركته على المستوى الأهلي في مدّ جسور المحبة والتسامح والانفتاح، في وضعٍ محتقنٍ دينيا، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بحيث جرى اعتماد هذا الاحتقان في رسم سياسات بعض الدول الصغرى والكبرى.

إحدى الزئرات، وهي تعمل بالمجال الإعلامي أيضا، وجّهت الشكر الجزيل «لإخواني وأخواتي من المسلمين» لإقامة المعرض الذي احتوى على أعمال فنية تصف حياة المسيح منذ ولادته على الأرض حتى صلبه، واعتبرت ذلك نقطة تلاقٍ تجمعنا، مسيحيين ومسلمين، كإخوة.

لا يمكن لأحدٍ أن ينكر الاختلاف في النظرة إلى المسيح بين أتباع الديانتين الأكبر في العالم، لكن ذلك لا يمنع الالتقاء على النبع، الذي جاء منه عيسى (ع) ومحمد (ص)، فكلاهما من مشكاةٍ واحدة، و»المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام».

أحد المسيحيين تحدّث عن الاختلافات بين المسيحيين حتى على الصليب، هل كان من المعدن أم من الخشب، وهل كان مدببا أم غير مدبّب الأطراف. وتذكّرت اختلافاتنا في الكثير من قضايا العقيدة وتفاصيلها، حتى اختلفنا على جواز الاحتفال بميلاد محمد. ونسينا أن القرآن أولّ من احتفل بميلاد المسيح، في واحدةٍ من أروع القصص القرآني الحق... ولله الأسرار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً