العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ

مواجهة الأزمة المالية: دور الدولة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تجاوزنا مرحلة التحليلات والتوقعات بشأن احتمال وصول الأزمة المالية العالمية إلى شواطئنا، وولجنا مرحلة المعاناة منها. تدلل على ذلك تصريحات المسئولين في العديد من المؤسسات المالية والاستثمارية، وتكشفها أسعار أسواق مصادر دخل الدولة وفي مقدمتها مصادر الطاقة من نفط وغاز.

قد يبرز من يقول إن الوقت متأخر بعض الشيء، ويصعب اليوم، إن لم يكن من المحال، الحديث عن إمكانية لتلافي الخلل، أو تحاشي الضرر، لكن، وكما يقال في الأمثال، «ان يكون المرء متاخرا في اتخاذ الخطوات خير من الجمود وعدم الحراك». لعل في الحركة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

على مستوى مملكة البحرين، من السهولة بمكان تلمس مكامن اندلاع الأزمة، فأول القنوات التي ستتسرب عبرها المشكلات التي ستواجهنا وأكثرها تأثيرا العجز المتوقع في موازنة الدولة للعامين المقبلين (2009 - 2010)، إذ وضعت الموازنة باحتساب سعر النفط 60 دولارا للبرمبل، وكل المؤشرات تؤكد أنه لن يصل إلى هذا الرقم، على الأقل خلال العامين القادمين اللذين تغطيهما الموازنة.

لسنا هنا بصدد توجيه اللوم للدولة ومطالبتها بكشف العوامل التي ارتكزت عليها عند تحديد ذلك الرقم، لكن نستطيع القول إن هناك عجزا يفوق 50 في المئة على الدولة تغطيته من مصادر دخل أخرى، مازال المواطن غير عالم بها. وكأي اقتصاد ريعي يعتمد، أساسا، على مصدر واحد للدخل، وتشكل الدولة وموسساتها ومشروعاتها أهم مصدر لتمويل المشروعات الوطنية الداخلية، من الطبيعي أن تتأثر بهذا العجز، مؤسسات الدولة أولا، ومشروعاتها ثانيا، والمستفيدين من تجار ومهنيين، من منفذي تلك المشاريع ثالثا.

ما يزيد الأمر سوءا أن أيا من مؤسسات الدولة ليست لديها خطة ثانية (Plan B) جاهزة وقابلة للتطبيق ومبنية على أرقام مختلفة.

وأمام هذه الأزمة، من الطبيعي أن تكون الدولة أول البارزين من أجل احتواء تلك الأزمة والحد من تناميها. وفي هذا الإطار يمكننا قراءة دور الدولة ومسئوليتها على النحو الآتي:

1 - رؤية صحيحة للواقع السياسي: إذ ينبغي أن نحدد ما هي طبيعة المرحلة التي تمر بها المنطقة، ومن ثم المملكة، هل هي مرحلة حروب وصراعات مسلحة، أم مرحلة تعاون وتكامل مع دول الجوارن أم هي مرحلة تنمية وطنية داخلية؟ ... إلخ. فما تحتاجه مرحلة الصراعات يقتصي رفع موازنات المؤسسة العسكرية والأمنية كي تكون قادرة على التعامل بكفاءة مع متطلبات تلك المرحلة ذات الطابع الصدامي. بالقدر ذاته تتحول الأولويات إلى بنود أخرى في مراحل الهدوء، إذ تحظى بنصيب الأسد في الموازنة بنود التنمية والبناء، بما في ذلك سلامة المواطن وأمنه، من دون التفريط في الخدمات التعليمية أو الصحية.

2 - تحديد علمي صحيح لمنهج التعامل مع الأزمة، إذ ينبغي مغادرة منصة المكرمات والعطايا العشوائية غير المبررة، ذات الأهداف السياسية القصيرة المدى، والانتقال إلى مواقع التخطيط العلمي البعيد المدى، المعتمد أساسا على إشراك المواطن، عوضا عن تهميشه، في مواجهة الأزمة والتصدي لذيولها. على أن إشراك المواطن، لابد أن يكون مبنيا على مشروع يقضي إشراك المواطنين كافة، كي لا يشعر البعض أن دوره ثانوي ومحدود. والأمر ذاته ينطبق على مردودات تلك التضحيات التي ينبغي أن تجير لصالح المجتمع ككل، من دون أن تحظى بها فئة دون أخرى، أو أن ينعم بنتائجها آخرون ممن لا يستحقونها. طبيعة المرحلة تقتضي وضع خطة طوارئ حقيقية، تعيد قراءة الموازنة بذهنية تحكمها مواجهة الأزمة، بدلا من القفز فوقها أو تجاهلها، كما شاهدنا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، إذ لم تتوقف تصريحات المسئولين المطمئنة، التي حلت، دون وجه حق أو مبرر، مكان المصارحة الحقيقية المسئولة المحذرة من مخاطر الأزمة وذيولها.

3 - تشخيص دقيق للأولويات: ففي الأزمات من الطبيعي أن يعاد ترتيب الأولويات، إذ تختلف أولويات مراحل اليسر والانتعاش الاقتصادي، عن مثيلاتها في مراحل الأزمات والركود الاقتصادي، كالمرحلة التي نمر بها اليوم. هناك بنود في الموزانة ينبغي تقليص نفقاتها أو حتى إلغاء بنودها كلية، بنود من نمط الاحتفالات بالمناسبات، أو تلك التي تنفق على الأنشطة الترفيهية.

هذه الرؤية والتحديد والتشخيص، تتكامل جميعها، وليس كل واحدة على حدة منها، كي ترسم في نهاية المطاف الدور المناط بالدولة القيام به

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً