العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ

العدالة العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحقق أسعار النفط مستوى قياسيا، وذلك بعد تخطي سعر البرميل حاجز الـ140 دولارا. وجاء هذا الارتفاع في أعقاب إعلان ليبيا أنها تبحث خيارات خفض الإنتاج ردا على إجراءات أميركية محتملة بحق الدول المنتجة للنفط.

في الوقت ذاته، شهد الدولار تراجعا عاما، بعدما أبقى مجلس الاحتياط الفيدرالي، أو البنك المركزي الأميركي، أسعار الفائدة مستقرة مبددا التوقعات لرفع وشيك للفائدة.

وعلى نحو مواز تشتد التهديدات الموجهة نحو «أوبك» التي وصلت إلى درجة أن يوافق مجلس النواب الأميركي بأغلبية كبيرة على تشريع يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة دول «أوبك» بتهمة الاحتكار ورفع الأسعار.

وسط هذه الصراعات النفطية، إن جاز لنا وصف ما يدور في الأسواق المالية، ينبري الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، في اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد شمال فنزويلا، كي يدعو دول أوبك لتحمل «قدرا من فاتورة استيراد النفط لأكثر 50 دولة فقرا في العالم، متوقعا أن تواصل أسعار الخام الارتفاع».

وقال تشافيز: «على أوبك أو بعض أعضائها تحمل مسئولية إمداد تلك الدول عبر آليات خاصة أو اتفاقيات دعم أو منح، وهذا لن يفقرنا أو يغنينا أكثر». وقال تشافيز في المؤتمر انه يعتقد أن تواصل أسعار النفط الارتفاع «ليس لان المصدرين يريدون ذلك، أنها ليست مشكلتنا».

ما يدعو له شافيز، هو بمثابة السعي لتجسيد شي من العدالة الاجتماعية العالمية التي يتحقق فيها شيئا من إعادة توزيع الثروة دون الإخلال بقوانين السوق، ففيما يقوله شافيز الكثير من العدالة والمنطق ونأمل أن تنصت له دول الأوبك وتتفاعل إيجابيا معه.

فهو بادئ ذي بدء لا يدعو الدول إلى إغراق السوق بالنفط الخام، من أجل تخفيض الأسعار، ومن ثم فهو لا يمس دخول الدول النفطية بشكل مباشر وموجع، كذلك فهو يصر، بشكل واضح على أن تتحمل الدول الغنية فاتورتها كاملة كي تنال حصتها من النفط، لكنه في الوقت ذاته، وبالقدر ذاته، يدعو إلى مراعاة أوضاع الدول الأكثر عوزا في العالم التي تحتاج إلى تأمين حاجاتها من مصادر الطاقة.

الأمر سيكون أوسع نطاقا وشمولية لو استمعت دول أخرى تصنع بضائع إستراتيجية أخرى غير النفط لنداء شافيز. تلك الدول التي تمارس درجة عالية من الاحتكار (وهو الأمر الذي لا تتمتع به الأوبك الذي لا تزيد حصتها على 40 في المئة من الأسواق النفطية) لمنتجات ذات طبيعة إستراتيجية مثل الدواء والغذاء، دع عنك التكنولوجيا.

فعلى سبيل المثال، عرفت أسعار الدواء قفزة عالية في أسعارها في الدول النامية من جراء عوامل تقلبات أسعار صرف العمل العالمية مثل الدولار مقابل اليورو. يلخص هذه الحالة المتحدث باسم صيادلة البحرين الدكتور خالد برهان في لقاء له مع موقع الأسواق العربية (http://www.alaswaq.net/articles/2007/12/26/12974.html ) فنجده يقول «إن احتساب سعر صرف اليورو مقابل الدينار البحريني مثلا بـ435 فلسا، بينما سعره في السوق 550 فلسا يعني أن هناك فارقا بنسبة 26-28 في المئة، موضحا أن وزارة الصحة البحرينية وافقت على رفع سعر الصرف 15 في المئة؛ ما يعني تخفيض الخسائر إلى 13 في المئة فقط». والبحرين ليست حالة استثنائية، فبوسعنا أن نسوق مئات الأمثلة من ارتفاع شديد لأسعار الأدوية المستوردة من الدول الصناعية الغنية إلى الدول الأشد فقرا في العالم، دون أن نجد من يدعو إلى إعادة النظر في الأسعار الجديدة. في دول مجلس التعاون شهدت أسعار الأدوية قفزة سعرية جديدة تتجاوز 15 في المئة مع مطلع العام 2008.

الأمر يزداد سوءا عند الوصول إلى موضوع الغذاء والتي اعترفت بأزمته قمة روما التي عقدت في الشهر الماضي واستمرت ثلاثة أيام لمناقشة موضوع الأمن الغذائي وذلك عقب أعمال الشغب التي شهدتها دول عدة بسبب الزيادة المطردة في أسعار المواد الغذائية، ففي قمة الحديث والتصرح أثناءها مدير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة جاك ضيوف في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الفاينانشال تايمز اللندنية»: «إن حجم المعونات يجب أن يتضاعف عشر مرات ليصل إلى ثلاثين مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية على رفع إنتاجها الزراعي».

وبدلا من أن نستمع إلى صوت من المسئولين في الدول الغنية التي تملك بزمام الأسواق الغذاء يطلق دعوات شبيهة بتلك التي ينادي بها شافيز، وجدناها، تلك الدول - تتبرع ببعض الفتات لامتصاص النقمة، ولحماية استثماراتها العملاقة الضالعة في صناعات الغذاء والدواء من سخط سكان الدول الفقيرة المحتاجة للغذاء والدواء. هذا الأمر هو الذي دفع وزراء مالية 8 دول افريقية على اتفاق على إنفاق 500 مليون دولار في محاولة لخفض أسعار الأغذية والتي أدت إلى توترات في العديد من الدول، راصدين نصف هذه الأموال لتمويل صندوق طوارئ لتقليص الأسعار، لذلك على الدول الغنية إن هي أرادت المساهمة في الاستقرار العالمي أن تحذو حذو شافيز، ليس بالدعوات فقط، وإنما بالأفعال، كي تنعم شعوب العالم بقسط، ولو يسير من عدالة عالمية مطلوبة، ينعكس في علاقات دولية قابلة للاستمرار دون توتر يشوبها، ويهدد أمنها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً