العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ

حكومة أولمرت ومسارات التفاوض مع المحيط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل أصبحت حكومة إيهود أولمرت مقتنعة بضرورة التفاوض مع دول الجوار ومحيطها الجغرافي بدلا من اعتماد سياسة التهديد والوعيد، أم أن المسألة مجرد تكتيك فرضته الحاجة ولا يعبر عن قناعات مغايرة لتاريخ الدولة العبرية؟

الجواب يحتاج إلى فترة زمنية لتوضيح خلفياته. فالمسألة قد تكون خطوة تكتيكية لجأت إليها حكومة أولمرت المتهمة بالفساد والتقصير والإخفاق حتى تتجنب استحقاقات سياسية لابد أنها آتية في مطلع الخريف المقبل بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية ومؤتمر حزب «كاديما» الحاكم في تل أبيب. وأيضا قد تكون المسألة خطوة في سياق خيار استراتيجي وجدت حكومة أولمرت أنها لا تستطيع التهرب منه وتقبل استحقاقاته التي تقضي بالاتجاه نحو الاعتراف بمظلة دولية للسلام.

خيار السلام مشروع عربي اعتمد في قمة بيروت في العام 2002 وتم تجديد شروطه في قمتي الرياض ودمشق. وهذا الخيار الاستراتيجي رفضته تل أبيب واشترطت التطبيع مع المحيط الجغرافي قبل البحث في موضوع السلام.

الآن وبعد تردد دام ست سنوات بدأت تل أبيب تتجه نحو اعتماد سياسة التفاوض مع دول الجوار والقوى المحيطة بها من دون أن توضح النهج الذي تريد التوصل إليه في النهاية. فهل تريد التطبيع (التهدئة وتجميد الصراع) أم السلام (تطبيق القرارات الدولية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني)؟ هذا السؤال أيضا يحتاج إلى فترة زمنية لتوضيح جوانبه الغامضة.

مسألة الوقت مهمة، ولكنها لا تستطيع الانتظار إلى ما لا نهاية. والنهاية يبدو أنها ليست بعيدة وهي قد لا تتجاوز فترة نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

خيار التفاوض الذي تغلب على خيار المواجهة يمكن ملاحظته على أكثر من مسار. فحكومة أولمرت تفاوض «حماس» بواسطة القناة المصرية لمعالجة موضوع قطاع غزة. وتفاوض حزب الله بواسطة القناة الألمانية لمعالجة موضوع الأسرى. واقترحت مفاوضة الحكومة اللبنانية عبر الأمم المتحدة لمعالجة موضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وهي الآن تفاوض سورية عبر القناة التركية لمعالجة موضوع الجولان المحتل. كذلك تفاوض السلطة الفلسطينية (حكومة محمود عباس) بإشراف الولايات المتحدة تمهيدا للبحث في مجمل النقاط المتصلة بالدولة ذات السيادة والقابلة للحياة.

هناك إذا مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية على خطين. ومفاوضات إسرائيلية - سورية. ومفاوضات إسرائيلية - لبنانية على مستويين: المقاومة والدولة. وفي المجموع العام هناك نحو خمسة مسارات تعتمدها حكومة أولمرت في إطار التفاوض مع قوى المحيط الجغرافي ودول الجوار.

المسار غير المباشر بين تل أبيب و «حماس» يقتصر على التهدئة وفتح المعابر وتبادل الأسرى. المسار غير المباشر بين تل أبيب وحزب الله يقتصر على تبادل الأسرى. المسار المقترح على الجانب اللبناني يرجح أن يتركز على وضع التلال والمزارع تحت إشراف الأمم المتحدة وضمن سياق العودة إلى اتفاق الهدنة الموقع بين البلدين في العام 1949. المسار غير المباشر بين تل أبيب ودمشق يرجح أن ينتقل إلى مفاوضات مباشرة عما قريب في حال توافق القوى المتفاوضة على معالجة موضوع احتلال الجولان مقابل التطبيع أو تطويل عمر التهدئة إلى أمد غير منظور.

القضية الأم

المسار الأصعب هو ذاك التفاوض المباشر الحاصل منذ فترة بإشراف أميركي بين السلطة الفلسطينية وحكومة أولمرت. فهذا المسار الإسرائيلي - الفلسطيني يعتبر عقدة العقد ونقطة مهمة تتقاطع في وسطها مجموع خطوط المسارات الأخرى. فالجانب الفلسطيني في التفاوض هو الأهم، لأنه تقليديا وتاريخيا وجغرافيا يشكل الأساس الذي تجمعت بسببه كل المواجهات والاحتلالات السابقة. في حال نجح التفاوض على الخط الفلسطيني تصبح المسارات الأخرى أكثر سهولة وأقل كلفة. وفي حال فشل المسار الفلسطيني في التوصل إلى اتفاق مع حكومة أولمرت على الحد الأدنى المقبول دوليا وعربيا لبناء دولة ذات سيادة وقابلة للحياة تصبح المسارات الجوارية الأخرى مؤقتة أو معرضة للتفكك والانهيار.

المسار الفلسطيني هو أساس التفاوضات الجارية الآن، لأنه يشكل جوهر القضية ومنه تفرعت كل المشكلات الأخرى. فالمفاوضة مع غزة سهلة بالمقارنة لأنها تقتصر على التهدئة والمعابر والأسرى. كذلك المفاوضة مع حزب الله؛ لأنها تتلخص الآن في موضوع تبادل الأسرى ويرجح أن تنتهي المسألة قريبا في حال اقتنعت حكومة أولمرت بعدم وجود خيار بديل. والتفاوض مع لبنان الدولة بشأن المزارع والتلال تحت مظلة الأمم المتحدة ليس صعبا إذا كانت تل أبيب تريد إقفال المواجهة مع البوابة اللبنانية. كذلك يمكن اعتبار مسار التفاوض مع دمشق، لكون مسألة الجولان يمكن معالجة تفصيلاتها من خلال العودة إلى القرارين الدوليين 242 و338.

المشكلة كانت ولاتزال في الإطار الفلسطيني. فهذا الملف يعتبر أولوية في المشروع العربي ويشكل رافعة للسلم أو عودة للحرب. فهل حكومة أولمرت مهتمة فعلا بحل عادل للقضية الفلسطينية أم أنها اتخذت خطوة الانفتاح على المسارات الأخرى في المحيط الجغرافي ودول الجوار للتهرب من الالتزامات الدولية واكتساب فرصة زمنية للتغطية على موضوع مركزي يشكل أساس الملفات والجوهر السياسي لكل المتفرعات الأخرى؟

الجواب يحتاج إلى وقت ويرجح ألا يطول الانتظار إلى أبعد من نوفمبر. فالرئيس جورج بوش يراقب موعد الانتخابات الرئاسية، بينما ينتظر أولمرت استحقاق انتخابات «كاديما» واحتمال سقوطه من رئاسة الحزب.

هناك إذا موجة من المفاوضات تجتاج منطقة «الشرق الأوسط». وتبدو الموجة مستمرة في اجتياحها السياسي على رغم ما يعترضها من تسريبات وتصريحات صحافية تهدد بتسديد ضربات عسكرية في هذه المنطقة أو تلك. وبانتظار أن تهدأ قوة الموجة يرجح أن تظهر على المشهد السياسي الكثير من الاحتمالات التي توضح الجواب على سؤال: هل أولمرت انفتح فجأة على المسارات كلها رغبة منه في السلام، أم أنها مجرد خطوة تكتيكية لتمديد التهدئة والتطبيع مع المحيط الجغرافي لكسب الوقت والتهرب من الحل العادل للقضية الأم؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً