لقاء جلالة الملك بأصحاب المواقع الإلكترونية، وتدخله المباشر لتهدئة الأمور وترشيدها إحدى الخطوات المتوقعة من ريادته للساحة بهدف تعزيز التلاحم الوطني. ولكن يبدو أن هناك مؤسسات رسمية تسير في الاتجاه المعاكس للتوجه الذي يرشد إليه الملك. ولكي نكبح جماح الطائفية فإن على مؤسسات الدولة أن تتصرف كطرف محايد بين جميع المواطنين، بدلا من اللعب بأوراق طائفية لن تنفعها في نهاية المطاف.
فوزارة العدل ووزارات وهيئات عدة - وخلفها من خلفها - تمارس كثيرا من الأشياء المثيرة للطائفية، فمن الخناق على الأوقاف الجعفرية، إلى محاولة مصادرة مقامي صعصعة بن صوحان والشيخ إبراهيم بن مالك الأشتر في جنوب البلاد، إلى المصادرة الفعلية لمقبرة في توبلي لها قرون من التاريخ أعمق بكثير من ادعاءات من قام بمصادرتها في جنح الظلام، إلى منع تسجيل أراضي الأوقاف الجعفرية المدونة منذ العام 1928 إلى التدخل ومنع وزارة الإسكان من توزيع وحدات سكنية في نويدرات والقرى المجاورة لمواطنين من هذه المنطقة تعود طلباتهم إلى العام 1992 والعمل صراحة على تغيير اسم المنطقة لأهداف لم تعد خافية، إلى سلسلة من الإجراءات الغامضة والمتتالية بنسق منظم وموجه لإثارة فئة على فئة في المجتمع.
لا يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فحتى الأوامر الملكية المباشرة تتم مخالفتها ولا يتمّ تنفيذها. وهناك أمثلة عديدة من بينها عدم تنفيذ الأمر الملكي بتوظيف نحو 2000 جامعي كانوا يبحثون عن عمل لفترات طويلة، وأمر الملك بتخصيص موازنة لحل المشكلة، ووجه لحلها، ولكن رغم ذلك فإن العدد الذي وظف لا يذكر، وأعيد توجيه التوظيف الى الاتجاه الذي تسير عليه الأمور حاليا، وهو مخالف لكل شيء جاء في الدستور أو الميثاق أو العهود الدولية الخاصة بحقوق الانسان . فالتوظيف في الجهات الرسمية حوَّل ادارات الدولة الى «مقاطعات» ذات حدود طائفية - حزبية صارمة ومعلنة على الملأ، ولا يبدو أن الأمر سهل لفعل شيىء أمام تمدد هذه الحال في مختلف مرافق الدولة.
وإذا أضفنا إلى كل ذلك عددا من الأمور المبهمة التي تجري على قدم وساق فإن الصورة الإجمالية تشير إمّا إلى توجه ممنهج للطأفنة، أو أن لدينا الآن بيروقراطية موزعة كإقطاعيات تعمل بصورة مستقلة عن ارادة الدولة وتفعل ما تشاء .
إن كبح جماح الطائفية يتطلب الوقوف بجدية وبصراحة أمام كل هذه الممارسات، كما يتطلب من المعارضة أن تبتعد عن اللون الطائفي في خطابها، لأن الفعل الطائفي ورد الفعل الطائفي إنما يزيد النار اشتعالا... ولكي تفعّل وتدوم توجيهات الملك باتجاه تقوية اللحمة الوطنية فإن هناك حاجة لوقفة صادقة تضع البحرين فوق كل اعتبار، وتمنع كل التجاوزات المخالفة لأبسط مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2129 - الجمعة 04 يوليو 2008م الموافق 29 جمادى الآخرة 1429هـ