العدد 2128 - الخميس 03 يوليو 2008م الموافق 28 جمادى الآخرة 1429هـ

المسيري في ذمة التاريخ

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعلن فجر أمس (الخميس) عن وفاة المفكر المصري المعروف عبدالوهاب المسيري، عن عمر سبعين عاما، بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرض.

المسيري من جيل المثقفين الكبار، الذين تركوا بصماتهم على صفحات تاريخ الثقافة والفكر والسياسة، فالرجل الذي وُلد في العام 1938، حصل على الماجستير في الأدب الانجليزي وهو في الحادية والعشرين، وبعد خمس سنوات حصل على الماجستير في الأدب الانجليزي المقارن من جامعة كولومبيا الأميركية، ولم يمض العام 1969 حتى حصل على درجة الدكتوراه. وأخذ يرتقي بعلمه وكفاءته حتى تسلم عدة مناصب علمية وثقافية في عددٍ من الجامعات في مصر والسعودية وماليزيا والكويت، كما عمل «مستشارا ثقافيا» للوفد الدائم لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة بنيويورك.

المسيري كان من أوائل من تخصّص في دراسة اللغة العبرية، في ذروة الصعود القومي، ولذلك واجه انتقادات شديدة وصلت إلى الاستهزاء... «فكيف تتعلّم لغة العدو»؟ ولو خضع لهذا المنطق لما أخرج للمكتبة العربية واحدة من أهم الموسوعات التي تتناول الصهيونية والفكر الصهيوني الذي زرع الكيان الأجنبي الغريب في وسط المنطقة العربية والإسلامية.

الرجل يعتبر مرجعا كبيرا في الدراسات الإسرائيلية، ومن أهم ما خلّفه موسوعته الشهيرة: «اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد»، التي قضى في تأليفها ربع قرنٍ، وأصدرها في ثمانية مجلدات. كما أصدر عدة مؤلفات تتناول الصراع مع الطارئين الصهاينة، لعل من أهمها «البروتوكولات واليهودية والصهيونية»، فالرجل متخصصٌ في تتبّع جذور هذه الحركة التي أنشبت أظفارها في اللحم العربي الفلسطيني، منذ سبعين عاما ولم ترتوِ من الدم، ولم تشبع من إشاعة الدمار.

المسيري إذن ممن عاش الصراع الوجودي ضد العدو، ولم تخنه البوصلة يوما، فكان يستقرئ إخفاق الايديولوجية الصهيونية، من خلال نقد فكرتها القائمة على فرضية خرافية تقول ان «فلسطين أرض بلا شعب». وكان يدحضها بوجود تلك المقاومة الباسلة التي أخذت تتطوّر ويتحسّن أداؤها، حتى غيّرت الكثير من المعادلات، وكشفت الوجه الحقيقي للصهيونية باعتبارها حركة استعمارية احتلالية قائمة على الاستيطان.

هذا الثراء المعرفي قاد إلى ترجمة بعض أعماله، إلى الإنجليزية والبرتغالية والفارسية والتركية والعبرية أيضا. كما حصل على عدة جوائز مصرية وخليجية وعربية تثمينا لإنتاجه الفكري العميق.

المسيري المثقف الملتزم بقضايا شعبه وأمته ووطنه المأزوم، وجد نفسه في نهاية حياته على رأس حركةٍ سياسيةٍ شبابية الطابع، كانت تنادي بشعار «كفاية» حلا لكل أزمات القطر المصري. ففي مجتمعٍ متآكلٍ سياسيا، مستلبٍ ثقافيا، منهوبٍ اقتصاديا، وجد نفسه بين الصمت والاستسلام، أو إعلان الصيحة والاحتجاج، وهكذا كان في مقدمة الأعضاء البارزين المؤسسين للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية).

ومع أن الرجل كان في السبعين، إلا أنه نُصّب مطلع العام الماضي منسقا عاما للحركة السلمية المعارضة لحكم الرئيس حسني مبارك، ولسياسة التمديد «إلى الأبد»، والتوريث للأبناء.

رحم الله المسيري، الذي خسرته الثقافة العربية، بعد أن كرّس حياته في النضال ضد الحركة العنصرية وضربِ أسسها الفكرية وكيانها الغريب حتى آخر سهم في جعبته. وقد شاء القدر للرجل أن يكون ختام حياته في أحد مستشفيات القاهرة... يحمل اسم «فلسطين».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2128 - الخميس 03 يوليو 2008م الموافق 28 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً