تقرير حقوق الإنسان ليس قضية أشخاص، بل قضية حقوق مدنية لشعب كريم... من وجهة نظرٍ أهلية غير تابعة للحكم.
وتقريرٌ من هذا القبيل، من الفاضح أن يعلن عليه البعض الحرب دون أن يقرأوه! فهناك كليشيهات جامدة مازال كتّاب السلطة يلوكونها، في عملية تشويش مكشوفة، على طريقة: «لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه».
الفريق الذي أعده لا يدّعي أنه تقريرٌ كاملٌ ومثاليٌ وخالٍ من الثغرات، لكن البعض لم يهضم بعد وجود «جهة أهلية» إلاّ إذا كانت قريبة من السلطة، وإلاّ فإنها وسيط غير محايد. فياللهِ وللأفكار العوراء!
المشكلة ليست في التقرير بل فيمن أعلنوا الحرب عليه وهم لم يقرأوه. فالتقرير للعلم لا يدافع عن الأخطاء التي تحدث في الشارع، ويسمّي الأمور بأسمائها (حوادث شغب)، ولكنه من التضليل والكذب على الرأي العام اختزاله في هذا الجانب الصغير... ولنتكلم بالأرقام.
التقرير يقع في 55 صفحة، في ثلاثة أبواب: الدستوري والقانوني (19 صفحة)، مدى احترام حقوق الإنسان (34 صفحة)، تعاطي البحرين مع المنظمات الإقليمية والدولية (4 صفحات). وواضحٌ أن الباب الثاني شاملٌ ومفصّلٌ، ولا يمثل فيه الحديث عن المظاهرات والإشكالات الأمنية والمعتقلين، بما فيهم سجناء غوانتنامو، غير تسع صفحات لا غير، أما الجزء الأكبر فيتكلّم في تفاصيل الحقوق التي تخص كل شعب البحرين.
اقرأوا معي العناوين الفرعية لتكوّنوا لكم فكرة أولية وصادقة عن مضمون ومنهجية التقرير: الحريات النقابية؛ الجمعيات الأهلية؛ حرية التعبير ووسائط الإعلام المسموع والمرئي؛ ربيع الثقافة؛ الحريات الصحافية؛ حرية الدين والمعتقد والبحث العلمي؛ المساواة وعدم التمييز. إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقضايا العمل والبطالة والمفصولين. هل تريدون مزيدا من العناوين؟ أم أنه تقريرٌ مغرضٌ ومنحازٌ... وعنزٌ ولو طار!
ستقرأون في عناوينه الجانبية أيضا: العمالة الأجنبية؛ العمالة المنزلية؛ الشفافية ومحاربة الفساد؛ الفقر؛ حقوق الطفل؛ حقوق النساء؛ قانون الأحوال الشخصية؛ العنف ضد المرأة؛ الاتجار بالبشر؛ إضافة إلى حق التعليم والسكن والعيش في بيئة سليمة. فهل هذه قضايا إنسانيةٌ شاملةٌ تهم كل مواطن ووافد عربي وأجنبي، أم أنها من أحابيل ومناكفات الجمعيات السياسية المعارضة؟
قبيحٌ أن تصبح ملكيا أكثر من الملك، وتزايد حتى على طروحات الحكم، وتطالب الآخرين بالحياد وأنت في قمّة الانحياز للآخر، وتدافع عنه بما لا يدافع به عن نفسه. ثمّ... من الذي نصّبك محاميا عن الحكومة وعدالتها الانتقالية؟ عيبٌ والله... بحقّ الوطن، وبحق الضمير المهني؛ وبحق هذا الشعب.
في قاعة «كراون بلازا» السبت الماضي، كنت أعرف تماما مواقف الجمعية وعموم الحقوقيين في البحرين، وأعرف بالمقابل مواقف الحكومة، فلم يكن هناك جديد في 75 بالمئة من التقرير، ولذلك طرحت سؤالا عن الاتجار بالبشر؛ فهو التحدي الأكبر الذي سيواجه البحرين ويحرجها دوليا، فموقفنا الحقوقي «الإنساني» هش العظام.
يمكنك أن تماطل وتلفّ وتدور على حقوق الناس، وتشوّش على المطالبات الجادة بتطوير الوضع الحقوقي لشعبك، ولكن اللعبة نفسها لن تجدي نفعا في مسألة الاتجار بالبشر والعمالة الأجنبية. افتحوا أية صحيفة محلية لتقرأوا يوميا أخبار القبض على عصابات الدعارة واستغلال البشر، ومداهمة الشقق المفروشة وغير المفروشة، فضلا عن أوضاع العمال الأجانب.
ماطلوا في الاعتراف بحقوق الإنسان، وحاربوا الناشطين الحقوقيين، وطوّقوا دعوات العدالة الانتقالية، ولكن... سيبقى الخلل بحاجة إلى علاج.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ