أعلن الرئيس جورج بوش قبل خمس سنوات في شهر مايو/ أيار، وهو يقف على سطح حاملة طائرات بفخر: «تمت المهمة» في العراق، مصرحا بأن الأعمال الحربية الرئيسية قد انتهت.
يأتي الحدث ليذكرنا بحدود القوة العسكرية الأميركية أو «القوة الشديدة». تمكنت الولايات المتحدة بالتأكيد من قلب النظام العراقي خلال أيام ولكنها فشلت في تحقيق السلام بعد انتهاء النزاع التقليدي. نتيجة لذلك أصبح من الواضح أنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تركّز أكثر على «القوة الناعمة» مقارنة بأي وقت مضى. ولكن ما هي هذه «القوة الناعمة»؟
يمكن تتبع هذا التعبير إلى جوزيف ناي الذي يعرّفها بأنها «قوة جاذبية» الدولة، والتأثير «الذي ترتبط به مع أفكارها وثقافاتها وسياساتها». ويشير الكثيرون إلى القوة الناعمة على أنها السبب الرئيسي وراء فوز الولايات المتحدة في الحرب الباردة على الاتحاد السوفياتي. رافق هذا الحدث التاريخي بالتأكيد ولو جزئيا قوة شديدة. فقد بنت الولايات المتحدة درعا دفاعية هائلة لمجابهة السوفيات، ولكن في نهاية المطاف لم يكن القتال العنفي هو الذي أدى إلى الانفراج الحالي في العلاقات المتوترة.
واليوم، يقول أنصار القوة الناعمة إن باستطاعتنا أخذ هذه الدروس التاريخية وتطبيقها على تحدي التطرف الديني العنفي. إلا أنه ولسوء الحظ لم تفعل الحكومة الأميركية سوى القليل جدا لاستخدام دينامية القوة الناعمة، وأحالت النموذج إلى مجال عمل للمنظمات غير الحكومية وغير الربحية.
إضافة إلى ذلك هناك عدة مؤشرات إلى أن الولايات المتحدة تضيع فرص القوة الناعمة الرئيسية. فرحلات الأميركيين إلى الخارج أخذت تقل، وأصبحت القوانين التي تحكم تأشيرات الطلاب القادمين إلى الولايات المتحدة مرنة مطّاطة تتغير كثيرا؛ مما يجعل من الصعوبة بمكان دخولهم الولايات المتحدة. يشكل هؤلاء الطلبة سفراء النوايا الحسنة بين الدول، وهذا التناقص في أعدادهم يقترح أن الأميركيين يركزون اهتماما أقل على العالم وقد أصبحوا منفصلين عنه. يؤدي هذا في نهاية المطاف إلى انعدام التواصل ويشجع صانعي السياسة على التراجع نحو إجراءات القوة الشديدة.
ولكن ما الذي يمكن عمله؟
رأينا بعد كارثة التسونامي في ديسمبر/ كانون الأول 2004 في آسيا مثالا على كيف تستطيع الولايات المتحدة استخدام بنيتها الأساسية القائمة والعاملين فيها ومعداتها لتوفير المعونة الإنسانية، وهذا مثال على القوة الناعمة. نجحت مهمة المعونة في المحيط الهندي لدرجة أن روبرت كابلان صرح قائلا: «قد تكون قوات الإغاثة الأميركية من الكوارث قد فعلت أكثر من أي حشد للتدريب التقليدي لتحسين صورة أميركا في آسيا».
تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تنظر خارج علبة «السطوة العسكرية» عندما يتعلق الأمر بالمشاركة الأجنبية. لم تعد الحرب هي المهمة المباشرة التي كانت تتبع في العصور السابقة، بل عملية حساسة يجب ألا تستخدم إلا في الظروف الأكثر رهبة وكآبة.
مما يثير الاهتمام أن بعض الذين يدعمون هذه الفكرة يأتون من أماكن بعيدة الاحتمال، المؤسسة العسكرية. فقد صرح الجنرال السابق في حلف شمال الأطلسي (الناتو) روبرت سميث بأن الحرب قد انتقلت من ساحات المعارك إلى وسط حضور الناس. بالتأكيد يعاني المدنيون الآن أكثر من أي وقت مضى قبل الحرب. في الحرب العالمية الأولى كانت نحو 10 في المئة من الإصابات من بين المدنيين. وفي النزاعات الحديثة مثل العراق تشكل الإصابات المدنية 90 في المئة من مجمل عدد الإصابات القاتلة. الآن وبينما تنتقل المعركة إلى وسط الناس يتوجب على الحكومة الأميركية أن تأخذ زمام القيادة بشكل نشط لتطوير توجهات قوة ناعمة للتخفيف من حدة النزاعات.
من الأمثلة على ذلك «فيلق الاحتياطي المدني» الذي كان لفترة طويلة في المواقع الخلفية للعديد من صانعي السياسة الأميركيين. استخدم التعبير للمرة الأولى من قبل المرشحين الرئاسيين في انتخابات العام 2004، ولكن الرئيس بوش ذكره أيضا في خطابه عن حال الاتحاد العام 2007... يعمل الفيلق مثل قوات الاحتياط العسكرية إلى درجة كبيرة؛ مما يسمح لنا باستخدام المدنيين ذوي المهارات الحيوية للخدمة في مهمات في الخارج عندما تحتاج إليهم أميركا. سيعطي ذلك للمواطنين في كل أرجاء أميركا الذين لا يلبسون البزة العسكرية فرصة للخدمة. أود أن أذهب خطوة أخرى إلى الأمام فأقترح أن يكون فيلقا مدنيا أساس عمله الخدمة، في جوهر استراتيجية المشاركة الأميركية بدلا من أن يشكل رديفا للعمل العسكري.
في الوقت الذي تشكّل القرن العشرون بشكل كاسح من قبل القوة الشديدة، قد يثبت القرن الحادي والعشرون عكس ذلك. يتوجب على الولايات المتحدة أن تتبنى المزيد من إجراءات القوة الناعمة وتدرك أن عبارة «تمت المهمة» ستبدو مختلفة جدا اليوم عما بدت عليه قبل خمس سنوات.
* طالب دراسات عليا يدرس الدبلوماسية والشئون الخارجية بكلية وايتهيد للدبلوماسية في سيتون هول بنيوجيرسي، والمقال ينشر في إطار برنامج «وجهة نظر الشباب» بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ