العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ

كراهية التاريخ

يقول أدونيس «لا يفهم الإنسانُ نفسَه إلاّ إذا فهم تاريخَه». وأقول إن الإنسان لا يفهم نفسه إلا إذا استطاع أنْ يتجاوز/ يجتاز تاريخه، حتى وإنْ اقتضى هذا التجاوز أو الاجتياز أنْ لا نفهم تاريخنا، بخلاف أنْ يكون ذلك «اللافهم» في العديد من الحالات، أفضل.

الذي يمكن للتاريخ أنْ يفعله، وهو ما يفعله عادة، هو يجعلك مرتبطا به حد الإحساس بالعجز عن أن تتحرك أو أن تقوم بأيّ شيء فيما ما بعده، وفي التجارب الإنسانية أثبتت الكثير من المواقف، أن تجاوز التاريخ أو الأمس هو فضيلة لا نقمة.

الأميركيون مهووسون بصناعة تاريخ لهم، فهم يصرّون على أنْ يجعلوا من عاصمتهم واشنطن في عيون الزائرين، محصلة الحضارات الإنسانية على امتداداتها وتخالفاتها، لكنني في صورة ما، أعتقد أن الأميركيين لم يصلوا لما وصلوا إليه، إلا لأنهم وببساطة متناهية لا يملكون ذلك التاريخ الذي يسحبهم للوراء - كما هي حالتنا نحن - لفهمه وتأويله والخلاف عليه وفيه، وهو ما أعتقد أنه «ميزة» لا «عيب».

وماخلا أنْ تستطيع تجاوز تاريخك، تستطيع أنْ تتصالح معه، أنْ تحبّه على علاته وتمر منه مرورا هادئا من دون تكلف. وبالنسبة لي، على الأقل، أعتقد أني متصالح مع جميع المراحل التي مررت بها في منعطفات حياتي، كنت في فترة من فترات حياتي إسلامويا متتشددا، وحين اجتزت تلك المرحلة أدركت ضرورة أنْ لا أكرهها، بمعنى، أنْ لا أكون علمانويا، بل علمانيا فحسب. لقناعة كانت بداخلي منذ البدء، أنّ كراهية الأفكار بطريقة او أخرى، هو تعبير عن التعلّق الشديد بها. لذلك كان الكثير من النخب العربية يعودون قبل وفاتهم، إسلامويين تكفيريين أكثر مما كانوا من قبل!

العدد 2127 - الأربعاء 02 يوليو 2008م الموافق 27 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً