حصول البحرين على عضوية مجلس حقوق الإنسان، يضع أداءها الحقوقي تحت المجهر، ويفرض عليها أداء أرقى في هذا المجال.
تقرير حقوق الإنسان الذي قدّمته «الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان» السبت الماضي، يستحق قراءة محايدة دون مواقف «سياسية» مسبقة. فهو يحلّل الكثير من مشاكل البلاد، ويرجعها إلى مسبباتها وأصولها القانونية والدستورية. ومن السهل التغابي عن هذه الحقيقة بالحديث الهلامي عن المهنية والمسافة المفترضة بين صياغة التقرير والتصوّرات، ففي البلدان التي لا تطبّق قوانين المرور على الجميع، لا يمكن الحديث عنها وكأنها جمهورية أفلاطون. والحياد «الخرافي» الذي يفترضه بعض كتابنا فذلكة لفظية، واصطفافٌ مع أنظمة الامتيازات.
من منّا لا يطالب بدولة القانون، ولكن من يجرؤ على الحديث عن الانتهاكات الآخذة بالاندياح، وخصوصا عندما يدخل «الأمن» على خط صراع «الأفكار»، ويهدّد بملاحقة الصحف بدعوى زئبقية من قبيل «التحريض». هؤلاء «الحياديون» يرون حبّات الرمل في تقرير جمعية حقوقية مستقلة تعمل بنظام التطوّع (ولذلك يتأخر طرحه إلى منتصف العام)، ولكنهم لا يرون الأخشاب في أنظمة الامتيازات.
التقرير لم يحضر تدشينه أيّ موفدٍ رسمي، ولكن حضره عددٌ من المهتمين بقضايا الناس، نشطاء حقوقيون، بحرينيون وأجانب، وصحافيون يكتبون من الميدان وليس من فللهم الفاخرة. الكاتبة فريدة غلام أشارت إلى أنه بعد جنيف، وما أعقبه من عرض إعلامي، وإعلان تشكيل لجنة حقوق الإنسان في الداخلية، رافقه توسعٌ في الانتهاكات، محذّرة من استخدام أي انجاز للتغطية على ما يجري من انتهاكات جديدة.
الناشط الحقوقي عبدالنبي العكري، أشار إلى اللجوء إلى استخدام مزيدٍ من الحلول الأمنية مؤخرا، والتوسع في إجراءات العقاب الجماعي للمناطق التي شهدت بعض الأحداث الأمنية المؤسفة، (وأصرّ على أنها مؤسفة لأن الإنسان لا يفرح بحرق شوارع منطقته وحصار أهله).
العكري تناول ضرورة الحديث عن البيئة المولّدة للمشاكل والأزمات، بدءا من الإشكالية الدستورية التي أنتجت عقم أداء البرلمان، والتمييز والاصطفاف الطائفي الذي وصل إلى حد منع الاستجوابات... وما أنتجه ذلك من إحباط في الشارع. فلا يمكن الحديث عن الأزمات بعيدا عن أسبابها.
هذا التوصيف لا يلقى هوى عند المدافعين عن دولة القانون الافتراضية، التي لا تتعدى حدودها ورقة المقال. بل إن هذا التحليل سيكون حجة دامغة في أيديهم على عدم المهنية، وأن «التسييس» وصل حتى إلى تقارير حقوق الإنسان المفترض كتابتها بماء الحياد البلوري الرقراق!
الزميل محمد السواد أشار إلى تحويل 48 قضية ضد الصحافيين إلى النيابة العامة العام الماضي وحده، إضافة إلى منع الكثير من الكتب.
التقرير سجّل أيضا عدم وجود شكاوى تتعلق بالتعذيب في العام 2006، ولكنها عادت للظهور في 2007. فأنت أمام مؤشرات سلبية، ليس من الأمانة ولا المهنية الطبطبة عليها، كلها تؤكد وتعزّز ما جاء في تقرير «مراسلون بلا حدود»، من تراجع مطرّد للبحرين في مجال حرية الصحافة، فبعد أن كان ترتيبنا 67 العام 2002 على مستوى العالم، نزلنا العام الماضي إلى المرتبة 118 من بين 169 دولة.
التقرير طرح إشكالات وتوصيات، حريٌ بالبحرين أن تأخذ بأحسنها، فمقعد جنيف يمكن أن يكون طريقا لتعزيز حقوق الإنسان كما يقول الوزير نزار البحارنة، وقد يكون جرعة مخدّرة للتمادي في الانتهاكات.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2126 - الثلثاء 01 يوليو 2008م الموافق 26 جمادى الآخرة 1429هـ