هذه القصة أنقلها على لسان إحدى الأخوات العظيمات، التي قصّتها لي منذ سنوات، والتي تركت أثرا كبيرا في نفسي وفي من سمعها من بعدي؛ فهذه القصة التي سأرويها لكم عن «كارتون التفاح» حَكيتُها لكثيرين ممن أعرفهم - الاخوان والأصدقاء والأبناء - الذين ما إن سمعوها حتى قاموا أنفسهم بنقلها الى الآخرين.
ولنبدأ معا بسرد قصة «كارتون التفاح»:
في يوم من الأيام سأل شاب والده عن مدى برّه، فعقّب الوالد بأنه من الأفضل عدم الإجابة عن هذا السؤال، ولكن إصرار الشاب وإلحاحه جعلت من الوالد أن يطلب من ابنه شراء «كارتون من التفاح الأحمر» والذهاب معه في رحلة الى البر، وهناك قام الشاب بسؤال الأب مرة أخرى عن مدى برّه، فطلب الوالد من ابنه التريث وعدم الإلحاح في السؤال، مؤشرا إليه التوجه الى ناحية جبل كبير في وسط البر، وما إن وصلا الى ذلك الجبل حتى قاما بالصعود اليه مع «كارتون التفاح».
وعند قمة الجبل طلب الوالد من ابنه احضار تفاحة من الكارتون، فابتسم الولد وسأل أباه عما اذا كان سيجيب على سؤاله، فقام الوالد بالنظر الى التفاحة، ومن ثم رماها الى أسفل الجبل دون أية إجابة مُرضية تشفي غليل الابن المحتار!
استغرب الولد من حركة والده، ولكن الوالد استطرد طالبا من ابنه النزول من قمة الجبل لجلب التفاحة، وقد استغرق جلب هذه التفاحة عشر دقائق للنزول وعشر دقائق للصعود، أي استغرقته التفاحة لجلبها الى والده مدة لا تقل عن العشرين دقيقة.
وما إن وصل الشاب بتفاحته الى والده، حتى داهمه والده باسقاط التفاحة الثانية، فاستغرب مرة أخرى هذا التصرّف من أبيه ولكنه لم يعقّب هذه المرة واستأنف جلب التفاحة الثانية.
أخذ الوالد يرمي التفاحة تلو الأخرى والولد يجلب هذا التفاح، الى أن وصل عدد التفاحات المرميات من قبل الوالد الى 6 تفاحات، عندها قام الولد بمداهمة يد أبيه قبل أن يرمي التفاحة السابعة متوسّلا له التوقف لشدة تعبه الشديد، وعدم قدرته على جلب المزيد من التفاح، وذكر لوالده بأنه يعلم بمدى برّه وحبه الشديد له، وأخبره بأن هذا الاختبار لم يكن مناسبا لمعرفة مدى البر الذي يكنّه.
فسأل الوالد ابنه اذا كان يريد أن يعرف على الأقل قصة كارتون التفاح؛ فأجاب الولد بالقبول وأخذ يستمع الى والده، ودهشة كبيرة مرسومة على فيه!
قال الوالد: «عندما كنت صغيرا يا بني جلبتك مع أمك وإخوتك لتلعبوا على قمة هذا الجبل، وكان عمرك في ذلك الوقت لا يتجاوز السنوات الأربع، وكنت تلعب في لعبتك الصغيرة التي لا تفارق حضنك، ووقعت هذه اللعبة من فوق الجبل، فأخذت بالبكاء المرير طلبا للعبة، فقمت بإحضارها اليك، وهنا وجدت تلك الابتسامة البريئة في وجهك، لتخبرني بأنك ستلعب معي وسترمي اللعبة مرة أخرى الى أسفل الجبل!
وهنا أخذت أنت ترمي اللعبة وأنا أنزل لأجلبها اليك، ولتعلم يا بني بأنك رميتها ثلاثين مرة، وأنا نزلت في كل مرة لأجلبها لك، وانني على يقين بأن الذي أنزلني هو عطفي عليك وحبي لك، وحرصي على عدم رؤية دموعك الغالية على كتفي، أما أنت فلقد أنزلك الواجب وأنزلك حرصك على دخول الجنة ومثواها، فهل وفيت يا بني في حقي؟ إنه سؤال لم أودّ الإجابة عليه حتى لا أحرجك ولا أزعجك، فإني أحبك حبّا لا يوصف ولا يعرفه إلا والدٌ مثلي.
وبعد هذه القصة لا يسعنى الا أن أقف وقفة إجلال لأمي الحبيبة التي تصبر عليَّ وتساندني في كل خطواتي، والى كل أم وأب وقفوا مع أبنائهم ولأبنائهم الذين يعتبرون قطعة من جسدهم.
ولا يسعني هنا الا أن أشكر القائمين على جائزة «الابن البار»، للتحفيز على برّ الوالدين والصبر عليهما في الكبر، خاصة واننا في زمنٍ نحتاج فيه الى من يذكرنا ببر الوالدين.
فليتوجه كل من يقرأ هذه الأسطر الى والده ووالدته، وليركع ويقبّل يدهما وأرجلهما، فمهما أعطيناهما ومهما عملنا لهما يبقى دائما قليلا أمام ما قاما به لراحتنا والسهر على طلباتنا. وهذه دعوة مفتوحة من خلال هذه القصة لكل الأبناء، في فتح صفحة جديدة مع الوالد والوالدة، فللبرّ طعم حلو لا يشعر به إلا من يؤدّيه!
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2126 - الثلثاء 01 يوليو 2008م الموافق 26 جمادى الآخرة 1429هـ