إنه ليوم مخيب للرجاء بالنسبة إلى الديمقراطية عندما يُضرَب أنصار التسامح الديني علنا. ولكن هذا بالضبط هو ما حصل في جاكرتا هذا الشهر عندما هاجم مائتا شخص من ناشطي جبهة الدفاع الإسلامية فجأة ميدان موناس حيث كان أنصار تحالف الحرية الدينية والإيمان يعقدون مهرجانا سلميا.
هوجم ناشطو التحالف، ومعظمهم من النساء بالعصي، الأمر الذي نتج عنه الكثير من الإصابات. كانوا يحتفلون بالذكرى الثالثة والستين للبنكاسيلا، وهي عقيدة وطنية تتقبل التأثيرات الخارجية من الفكر الإسلامي والهندوسي والبوذي والغربي. وتجسد البنكاسيلا تعددية إندونيسيا الأساسية، وهي المادة اللاصقة التي تربط سكان إندونيسيا المتنوعين معا.
قبل فترة من الزمن، وأثناء زيارة قمت بها إلى قرية صغيرة في جاوا الشرقية، أجريت حديثا مع أستاذ مدرسة محلي كان يعلم تلاميذه تلاوة القرآن الكريم. أعرب بتفهم معمّق عن قلقه فيما يتعلق بالتدين الإسلامي في إندونيسيا، مشيرا إلى نزعة جديدة من قبل بعض المسلمين لتشجيع نوع قسري من الإسلام يهدف إلى «قلب ما هو مؤسس». كان هذا الأستاذ يؤمن أن الإسلام منتشر في الحياة اليومية في إندونيسيا، وأنه أصبح مثل الهواء، غير مرئي ولكن يتم تنفسه في كل لحظة. لذلك فإن «إعادة إيجاد» الإسلام في إندونيسيا عن وعي يشكل خطوة إلى الوراء.
أنا متأكد أن معظم المسلمين الإندونيسيين يوافقون مع وجهة النظر البسيطة لأستاذ القرية هذا. تبدو التوجهات التدينيّة اليوم ضيقة وسطحية. وهي تدعو إلى تحديد كل شيء بوضوح إسلامي أو غير إسلامي، ملتزم بالشريعة أو غير ملتزم. نتيجة لذلك يعتبر أي شيء غير مميز بشكل واضح منحرفا أو خارجا عن المألوف.
يلعب مجلس العلماء الإندونيسي دورا قياديا في هذا التوجه، حيث أن أفراده يتصرفون كمجلس من المفتيين، يصدر فتاوى، وهو أمر رفض بويا هامكا؛ أول رئيس للمجلس أن يفعله خوفا من أن يمثل المجلس تمركزا للفقه الإسلامي وإبداء الرأي.
ورغم تنصّل المجلس من أن فتاواهم ليست سوى آراء أخلاقية ليست لها آثار قسرية، يرجع المسلمون المتشددون في إندونيسيا أحيانا لها على أنها قوانين وبالتالي قواعد سارية المفعول يتصرفون بناء عليها. على سبيل المثال، استخدمت فتاوى مجلس العلماء الإندونيسي العام 1980 والعام 2005 ضد حركة الأحمدية (وهي مجموعة مسلمة تؤمن أن مجيء المسيح مرة أخرى قد تحقق) على أنها أساس «قانوني» لمهاجمة مختلف تجمعات الأحمدية منذ العام 1983.
هذا التوجه يثير الاضطراب، فقد نصت الفتوى الأولى على أن عقيدة الأحمدية منحرفة، بينما طالبت الفتوى الثانية من الحكومة الإندونيسية إعلان المجموعة غير قانونية وتفكيك مؤسساتها. يوم الاثنين الماضي، وكرد فعل لتهديدات متزايدة بعنف مستمر، امتنعت الحكومة في اللحظة الأخيرة عن إصدار منع كامل للحركة، ولكنها أمرت طائفة الأحمدية «التوقف عن نشر تفسيرات تنحرف عن تعاليم الإسلام الأساسية». لقد نسي مجلس العلماء الإندونيسي مع الأسف قوانين تأسيسه التي تتبنى التنوع في الآراء الدينية على أنه دينامية رحمة الله تعالى في السعي وراء الحقيقة، وتنص على أن احترام الفروقات هو متطلب مسبق لحياة قدسية ترتكز على التسامح والأخوّة ومساعدة الآخرين. كما نصت القوانين التأسيسية على أن للمجلس التزاما بإيجاد مجتمع مدني يؤكد الأمور المشتركة والعدالة والديمقراطية.
كانت فضائل هذه القوانين، بالطبع، نتيجة جدل طويل حول التعاليم الإسلامية في إندونيسيا. كان الإسلام قد انتشر سلميا في إندونيسيا بحلول القرن الثالث عشر. وكتب الخبير في شئون جنوب شرق آسيا في «كارفور جافانيس» دنيس لومبارد «ليست هناك ضرورة للحديث عن غزو إسلامي هنا». لم تكن هناك هجمات مسلّحة أو تدمير منهجي باسم الإسلام، كما لم تكن هناك دعوة قسرية.
تلطخ الهجمات التي وقعت في بداية هذا الشهر من قبل المتشددين المسلمين الإرث الذي بناه المسلمون الإندونيسيون في التيار الرئيس في سعيهم لإنشاء إندونيسيا تعددية وحرة. يتوجب على مجموعات مثل جبهة المدافعين الإسلامية أن تخجل من نفسها بسبب انحرافها عن نموذج التسامح الإسلامي الذي مورس في إندونيسيا منذ قدوم الإسلام.
يتوجب على مجلس العلماء الإندونيسي، الذي يشجع ضمنيا سلوكا كهذا أن يعود إلى بداياته المتواضعة أيضا. عرف حتى أول رئيس للمجلس، بويا هامكا كيف يتكلم مع هؤلاء الذين تعتبرهم حركته منحرفين. وعلى رغم أنه كان يعتبر حركات دينية مثل الأحمدية على أنها مرتدة فإنه شجع أتباعه على بناء علاقات معهم بناء على الأخوّة والتسامح.
لا يمنعنا تبني فروقات بعضنا بعضا من أن نكون قدسيين، وإنما يثبت أن عقيدتنا أصيلة وأنها جزء متأصل في أنفسنا، كالنفس الذي نتنفسه.
*باحث في ديبوك، إندونيسيا في معهد تاكينايا (الدراسات الدينية والثقافية) الذي يعمل على تطوير حوار بين المجتمعات. ظهر هذا المقال للمرة الأولى في الواشنطن بوست/نيوزويك بوست غلوبال، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2126 - الثلثاء 01 يوليو 2008م الموافق 26 جمادى الآخرة 1429هـ