يمكن الزعم بأن دول مجلس التعاون الخليجي مصممة أكثر من أي وقت مضى على تنفيذ بعض الخطوات العملية نحو إطلاق الاتحاد النقدي في العام 2010. على أقل تقدير هذا ما تمخض عنه اجتماع محافظو المصارف المركزية في الدوحة في يونيو/ حزيران الماضي بالموافقة على تأسيس نواة لبنك مشترك. ومن المتوقع أن يتم تدشين مجلس نقدي أو سلطة نقدية في العام 2009 ما يعني نواة لتأسيس بنك مركزي.
وتم عقد الاجتماع الاستثنائي تنفيذا لوعد قطعه محافظو المصارف المركزية على أنفسهم أثناء الاجتماع الخامس والأربعين للجنة محافظي مؤسسات النقد والمصارف المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية في أبريل/ نيسان.
يجتمع محافظو المصارف المركزية مرتين في السنة لكنهم اجتمعوا 3 مرات هذا العام ربما لغرض تحقيق تقدم في المشروع الطموح. ومن المنتظر أن يجتمع محافظو المصارف المركزية مرة أخرى في مدينة جدة بغرب المملكة العربية السعودية في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الجاري (أي خلال شهر رمضان المبارك).
تداعيات التضخم
من جهة أخرى، وضعت تصريحات بعض المسئولين الكثير من علامات الاستفهام وربما المزيد من الأسئلة وليس الأجوبة بخصوص إطلاق مشروع الاتحاد النقدي في الموعد المحدد.
فقد أكد محافظ مصرف قطر المركزي، الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني أن العام 2010 سيشهد تأسيس مجلس نقدي أو سلطة نقدية. في المقابل، لم يشر المسئول القطري إلى إطلاق العملة الموحدة في السنة نفسها.
بدوره بيَّن محافظ البنك المركزي الإماراتي، سلطان ناصر السويدي أن التضخم يهدد بتأجيل مشروع الاتحاد النقدي. مؤكدا أن معدلات التضخم المرتفعة تقف وراء الخلافات في الرأي وربما تتسبب في تأجيل العملة الموحدة.
حتى الأمس القريب، كان محافظو المصارف المركزية يصرون على أن التضخم لا يشكل تهديدا لمسألة الاتحاد النقدي. بيدَ أنه لا يمكن استبعاد فرضية إلقاء اللوم على تأخير تنفيذ المشروع الطموح على متغير التضخم.
بمعنى آخر، يوفر التضخم (ارتفاع الأسعار وبقاؤها مرتفعة) فرصة للتهرب من إطلاق العملة الموحدة، على الأقل ما يخشاه بعض المتابعين لمسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي.
شروط الاتحاد النقدي
يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الدول ملزمة بضمان عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي التأكد من عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى 3 دول زائد 2 في المئة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة 4 أشهر.
وبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي 7 في المئة في 2008 مقابل 6 في المئة في العام الماضي.
وأكد تقرير الصندوق وجود تفاوت في معدلات التضخم بين دول المجلس في العام 2007، إذ تم تسجيل نسبة تضخم قدرها 14 في المئة في قطر مقابل 11 في المئة في الإمارات وأكثر من 4 في المئة في السعودية. وعلى هذا الأساس، بات التضخم مهددا لتنفيذ أحد شروط الاتحاد النقدي أي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة.
الاتحاد الجمركي
ويفهم من التصريحات الصادرة عن بعض محافظي المصارف المركزية أن دول مجلس التَّعاون ستباشر عمليّا تنفيذ جانب من متطلبات الاتحاد النقدي لكن ليس بالضرورة التنفيذ الكامل للمشروع في العام 2010.
بل إن هذا الأمر من طبيعة تنفيذ مشاريع التكامل الاقتصادي بين دول المجلس تماما كما هو الحال مع الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.
يعود تاريخ دخول اتفاقية الاتحاد الجمركي إلى حيز التنفيذ إلى العام 2003. استنادا إلى الخطة الأصلية، كان المفروض أن تنهي دول الخليج الإجراءات المطلوبة لتحقيق الاتحاد الجمركي مع نهاية العام 2005، بيد أنه قرر قادة دول المجلس في القمة السادسة والعشرين التي عقدت في أبوظبي مضاعفة الفترة الانتقالية. حقيقة القول، لم تتمكن الدول الست حتى الآن من حل بعض العقبات وخصوصا موضوع اقتسام العوائد الجمركية.
من جهة أخرى، واجه مشروع الاتحاد الجمركي مشكلة هيكلية تتمثل في قيام بعض الدول الأعضاء بإبرام اتفاقيات أحادية وليست جماعية مع أطراف أخرى.
فقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاقية للتجارة الحرة مع كل من البحرين وعمان ما حدا بقمة أبوظبي إعلان وثيقة «السياسة التجارية الموحدة». يرتكز المفهوم على توحيد السياسات التجارية الخارجية مع الدول الأخرى أي غير الأعضاء في الاتحاد. في المقابل، المطلوب من الدول الأعضاء العمل على إبرام اتفاقيات جماعية مع الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وغيرها من الدول.
السوق الخليجية المشتركة
كما دشنت الدول مشروع السوق الخليجية المشتركة مطلع العام 2008 بهدف إيجاد سوق واحدة بين دول المجلس. ولم يقل أحد حينها إن المطلوب هو التنفيذ الحرفي الكامل للسوق المشتركة (إطلاق العنان لعوامل الإنتاج بالتحرك داخل الدول الأعضاء) عند دخول المشروع حيز التنفيذ.
بدورنا نرى صواب تنفيذ بعض الخطوات العملية بخصوص الاتحاد النقدي الأمر الذي ربما يشجع عمان على تغيير رأيها والانضمام إلى المشروع في وقت لاحق.
وكانت عمان قررت في العام 2006 عدم الانضمام إلى الاتحاد النقدي الخليجي المزمع إطلاقه في العام 2010. بل إن تنفيذ جانب من متطلبات الاتحاد النقدي قد يضع حدّا للتكهنات والمضاربات على عملات دول المجلس. نأمل أن تغير عمان موقفها أثناء قمة مسقط التي ستلتئم في وقت لاحق من العام الجاري.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ