إحدى المجلات الصادرة باللغة الانجليزية في البحرين نشرت صورة لكتابات جدارية في إحدى القرى... والكتابة فيها خطأ لغوي قلب معناها، وهو السبب في قيام هذه المجلة بنشرها. فكاتب الشعار كتب «إذا كنتم تريدون التطور فنحن مستعدون لذلك»، وكان يقصد «إذا كنتم تريدون الثورة»، ولأن كلمتي التطور evolution والثورة revolution متقاربتان جدا في اللغة الانجليزية حدث الالتباس.
الصورة منشورة لأنها حملت معنى مختلفا، وربما أنه جيد جدا، بمعنى أن الخطأ في الإملاء خلّف شعارا جيدا. ولكن هذا إنما يشير إلى ما نراه هذه الأيام من كتابات جدارية انتشرت في كثير من قرى البحرين، وهذه الكتابات تحمل في طياتها مضامين لا تختلف عن تلك التي تنشر على المواقع الالكترونية.
المشكلة ليست بسيطة، وإنما هي معقدة والمسئولية أيضا متداخلة، وهي تقع على عاتق الجميع، من جهات رسمية وأهلية. فالشباب الذي توجهت طاقاته نحو شكل معين من النشاط المعارض ربما لا يستطيع أن ينفك منه بعد أن كبر عليه، وفي بعض الاحيان يلاحظ أن هناك عدم اتساق بين الأحداث والشعارات التي تكتب في المواقع الالكترونية أو على الجدران.
إن مسئولية علماء الدين كبيرة جدا، ومسئولية الجمعيات السياسية كذلك كبيرة، إذ تتوجه لهم لأنظار بالدرجة الأولى، لاسيما إذا كانت هذه الشخصيات والجهات تحظى بثقل في الشارع. فالشارع البحريني في عدد من المناطق أصبح متهيجا والشباب لا يحتاجون إلى رموز وقيادات حماسية تزيدهم حماسا وثورة، بقدر ما هم يحتاجون إلى قيادة ترشد الساحة وتسهم في «التطور» تماما كما قال الشعار الذي كتب خطأ باللغة الانجليزية.
نعلم أن التطور والبناء أصعب بكثير من الثورة والهدم... فما يتم بناؤه في عشرات السنوات ينتهي في أيام، والتطور يحتاج إلى إرادة وقيادة حكيمة ورؤية ثاقبة تنظر بعين ثاقبة إلى المستقبل. فالمسقبل يتحقق على أساس ما نفعله اليوم، ونحن بحاجة إلى خطاب مختلف وإلى توجيهات مختلفة لكي تتوجه طاقات الشباب ويتحولوا إلى قادة للمسقبل، بدلا من ضياع مستقبلهم ومستقبل بلادهم.
شبابنا هم ثمرة حياتنا، ويتبقى علينا أن نستمع إليهم وإلى طموحاتهم وأن نستوعب طاقاتهم فيما ينفعنا - كأمة وكبلد - مستقبلا. فعدد غير قليل من شبابنا يعانون الأمرين حاليا، يعانون من الهيجان نحو أي تصعيد لتفريغ طاقاتهم، ثم يعانون السجن والتحقيق وخسران الدراسة وجزءا من سنوات عمرهم في السجن... ويخسرون بذلك فرص «التطور» التي تتوافر أمامهم حاليا. إن الساحة بحاجة إلى ترشيد الأهالي وعلماء الدين وكل المتصدين السياسيين للساحة. ومع الأسف أن بعض المتصدين يفضل التركيز على الخطاب التثويري - التأجيجي (وهو الخيار الأسهل) بدلا من الخطاب الإرشادي - التطويري.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ