يقال أحيانا في العالم العربي أن الطريق إلى القدس يمر عبر واشنطن، بافتراض ضمني أنه لا يمكن إلا للأميركيين أن يأتوا بالإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات. إلا أن هناك دينامية مختلفة بشكل مميز بدأت تبرز في الأيام المتناقصة لسنوات الرئيس بوش. قد يكون الطريق إلى واشنطن يمر في الواقع عبر القدس.
تبادر دول الشرق الأوسط وبشكل متزايد إلى عقد محادثات سلام بشكل مباشر مع «إسرائيل» دون مساعدة أميركا. وتشكل المفاوضات السورية الإسرائيلية نموذجا محتملا واعدا، وقد يكون هذا الطريق أفضل أمل لدى الإيرانيين لمنع مجابهة كارثية حول برنامجهم النووي.
تؤكد الحكومة الإيرانية أن برنامج تخصيبها النووي ذو أهداف سلمية، إلا أن الشكوك مازالت كثيرة. يرعب الطرح القادم من إيران، مضافا إليه مخاوف حول طبيعة طموحاتها النووية، القيادة الإسرائيلية، ويتجه الوضع بشكل متهور شديد الانحدار نحو الكارثة.
يشعر إسرائيليون معينون أنهم مضطرون وبسرعة للقيام بعمل عسكري، لاعتقادهم بأن الرئيس الأميركي الحالي يحتمل أن يعطي الضوء الأخضر أكثر من الرؤساء المقبلين. هناك قوى في واشنطن كذلك ستستفيد إلى حد بعيد من الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا تم إطلاق الحرب على إيران في أكتوبر/ تشرين الأول على سبيل الافتراض.
إلا أن معظم الخبراء يوافقون على أن أية هجمة إسرائيلية لن تفعل شيئا سوى تأخير إيران النووية، بينما ستطلق زمام انحدار لولبي مروع في العنف الإقليمي وفي الاقتصاد العالمي.
هناك أسلوب واحد فقط لإيقاف هذا القطار المدمَّر الذي بدأ يظهر، ألا وهو التفكير الجديد. هناك سبيل للخروج من التصعيد الحالي في التهديدات بين «إسرائيل» وإيران، عن طريق إدخال نوع جديد من المعاهدة مصممة خصيصا للاعبين ذوي العلاقة.
أطلقُ على هذه المعاهدة اسم «معاهدة لا مستخدم أول». لم توافق «إسرائيل» على مبدأ «لا استعمال أولي» للأسلحة النووية، لأنها لم تعترف يوما أنها تملك هذه الأسلحة. ولكنها تعهدت بالعمل باتجاه منطقة خالية من الأسلحة النووية، إضافة إلى تفكيك أسلحة الدمار الشامل غير النووية، بناء على تطبيع للعلاقات مع كافة جيرانها، والتي يجب أن تضم إيران في عصر الصواريخ هذا. ما زالت هذه النهاية بعيدة. ولكن «إسرائيل» كررت كذلك أنها لن تكون البادئة بإدخال الأسلحة النووية إلى نزاع الشرق الأوسط. وهذه فاتحة حاسمة.
يكون من الحكمة الآن أن يقوم الزعيم الإيراني الأكبر خامئني بصوغ نص معاهدة إيرانية إسرائيلية حول «لا مستخدم أول».
سيثبت ذلك للعالم وبشكل ذكي أن إيران لا تقف وراء الطرح العنفي المتطرف لرئيسها الحالي. وهو أمر سينزع فتيل الغضب العالمي نحو إيران، تماما مثلما قام الدفء البادي في العلاقات بين «إسرائيل» وسورية بتخفيف الضغط بشكل ملحوظ عن نظام الرئيس الأسد. عمل كهذا سوف يفشل الرغبة من قبل المحافظين الجدد بمهاجمة إيران في الشهور الستة المقبلة، والإغراءات الحزبية الأميركية بتحويل مجرى الانتخابات عن طريق إدخال حرب مرعبة. وهذا سيساعد «إسرائيل» على طي صفحة جديدة في علاقاتها مع أعتى أعدائها، وهذا هدف استراتيجي ثمين.
لن توقف معاهدة كهذه إيران بنجاح عن السعي وراء أية طموحات نووية غير سلمية في المستقبل، ولكن قد يكون هناك وقتها زعيم أميركي أو إسرائيلي يمكنه أن يقدم لإيران جزرة مغرية من تطبيع العلاقات ونهاية لمحاولات تغيير الأنظمة. سوف تكون هذه المكافآت في مقابل نظام تفتيش نووي متفق عليه بالتبادل يضع حدا لمخاوف جيران إيران في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالنوايا العسكرية، إضافة إلى إيقاف الحرب بالوكالة ضد «إسرائيل».
لا تحتاج إيران إلى تغيير معارضتها الأيديولوجية الحالية لـ «إسرائيل» حتى تتبع سبيل نزع الفتيل. يتوجب عليها فقط أن تبعد نفسها عن الطرح المدمّر لرئيسها وأن تلتزم بعدم التدخل بعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية القائمة. كذلك يُفشل وجود إيران منخرطة بأي نوع من الحوار البناء مع «إسرائيل» الحديث الدائر في واشنطن عن تغيير النظام، وقد يمكّن ذلك الطريق نحو السلام بين الدولتين.
تعود معاهدة «لا مستخدم أول» بالفائدة على كل من هو مشارك في العملية، وخاصة القيادات في «إسرائيل» وإيران وخمسين مليون نسمة في المنطقة قد يتأثرون بشكل رهيب بحرب نووية بين الدولتين.
*بروفيسور حائز على مقعد جيمس لاو بمعهد تحليل النزاع وحله بجامعة جورج ميسون، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2125 - الإثنين 30 يونيو 2008م الموافق 25 جمادى الآخرة 1429هـ