أن تُضرب إيران أو لا تُضرب هو ما يشغل العالم اليوم. الولايات المتحدة تنظر إلى من سيُعوّضها عن أية خسارة تريليونية أو نفطية في حال وقعت الضربة، ودول المنطقة تنظر إلى أحوال ناسها وعمرانها وما سيحلّ بهم.
لن أجزم بشيء كما أجزِمُ اليوم على أن الضربة لن تقع! على رغم أن السياسة لا تقبل الرهانات المفتوحة، لكن العقل يقبلها بالتأكيد، وعلى رغم (أيضا) أن الإيرانيين قد تمثّلت فرادتهم وخياراتهم على حواف السلم والحرب معا، بل قد تكون تكتيكاتهم ومناوراتهم في البازار أقل من مثيلاتها في السياسة، وبالتالي فإن الحكامة ما بين ثقافة المفاوضات وثقافة السلاح يجيدونها بشكل جيد.
مشكلة الملف الإيراني بالنسبة إلى الغرب أنه لا يقبل الشواء ولا المقلاة معا، وقد يُردّ ذلك إلى قيم المصالح لديهم تارة، وإلى التنشئة القومية تارة أخرى. وهو باعتقادي ما يجعل الخطاب الأميركي والأوروبي بشأنها متذبذبا في مواطن شتّى وضمن مسطرة تاريخية ممتدة، ليس آخره ما قاله الرئيس بوش قال خلال جولته الأوربية الأخيرة «بأنه يرحل مُخلفا وراءه إطار عمل متعدد الأطراف بشأن قضية إيران» وهو ما يعني استبعاد الخيار العسكري بالنسبة إلى الإدارة الأميركية في عهده، لكنه وفي الوقت نفسه يُصرح (أو من يليه) بتصريحات لا يُشمّ منها سوى نُذُر الحرب.
وإذا ما سلّمنا بأنه الخيار العسكري قائم، فإن السؤال اللاحق له هو: كيف للضربة أن تقع؟ وما هي مُحدداتها العسكرية والسياسية؟ وهي باعتقادي أسئلة مشروعة لكنها أيضا أسئلة «الضرورة» كونها الترجمة العملية لليوم التالي للضربة، وماذا سيحدث على المستويين الإقليمي والدولي؟.
بداية يجب تثبيت أن الدفع بخيار الضربة هو رغبة صهيونية بالأساس تتحقّق بالتكامل الثنائي مع القوة الأميركية، وما بين الرغبة الصهيونية والقوة الأميركية توجد الفروق الحقيقية للمعقول والمأمول.
فالتصعيد قد بدأ بتصريحات سالاي ميريدور السفير الصهيوني لدى واشنطن الذي قال «ان (إسرائيل) تفضل التعامل مع هذا التهديد بشكل سلمي من خلال زيادة العقوبات بصورة دراماتيكية والعزم على إبقاء جميع الخيارات مفتوحة، لكن الوقت ينفذ أمامنا».
لكن الإشكال هو أن هذه العزيمة تحتاج إلى تفهّم أميركي يتحوّل إلى خطة تحرك عسكري سريع، وبالتالي فإن هكذا تفهّم لايزال بعيدا في ظل ضبابية الرؤية فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية، وهل أنها ستأتي برئيس جمهوري أم ديمقراطي، ومن منهما قادر على استجلاب ذريعة بحجم أحداث الحادي عشر من سبتمبر لكي يقيم ضربة بحجم الضربات التي تمّت في أفغانستان وتلك المتعلقة باحتلال للعراق.
فتصريحات الكولونيل سام جاردنر الجنرال المتقاعد في سلاح الجو الأميركي والذي يُشرف على تدريبات عسكرية حكومية في واشنطن تبيّن أن الرؤيتين الأميركية والصهيونية غير متفقة في مسألة الضربة العسكرية إلى حد ما.
فجاردنر يقول إن المنشآت النووية الإيرانية نائية ومتعددة ومحصنة بدرجة لا يمكن (للكيان الصهيوني) التعامل معها بمفردها. وهو يرى أن الولايات المتحدة الأميركية تعتقد بوجود ألف نقطة مستهدفة في حين أن ضربة جوية (صهيونية) لن تكون سوى ضد مائة نقطة فقط حسب قدرة الطيران الحربي الصهيوني، وهو ما يعني أنها ستكون ضربات غير مُدمرة.
لأن الإيرانيين ومنذ العام 1999 قاموا بتوزيع ثكنات عسكرية ثقيلة وخفيفة تابعة للحرس الثوري والبسيج في ثلاثين ألف نقطة عسكرية، ثم قاموا بوضع المعسكرات ومعامل الأبحاث في المناطق الوسطى والبعيدة، كأصفهان وبافق ويزد ونائين وفي الصحاري، وهي المناطق التي قد تُعطّل من الضربات الجوية، لأنها تُلزم الطائرات المعادية على التزوّد بالوقود.
وإذا ما علمنا أن أي ضربة عسكرية ستكون ضد منشآت نووية ومعامل أبحاث ومنصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومصانع التسليح التابعة لوزارة الدفاع والحرس الثوري، وهي جميعها مُوزعة بحسب الخريطة المذكورة منذ تسع سنوات تقريبا، فإن الأمر يبقى بالغ الصعوبة بالنسبة إلى أي ضربة معادية.
أقصى شيء قدّمه الأميركيون أنهم قبلوا بأن يزيدوا من هامش الحرب النفسية والتلويح بالعصا لطهران. وربما كانت الاستعدادات العسكرية المتكاثرة في الخليج دليلا على ذلك. لكن الأكيد أن خيار الدخول في ضربة عسكرية أميركية مساعدة غير وارد على الأقل في المرحلة المنظورة المقبلة.
وقد يفيد هنا لإعاقة ذلك التفكير طرح التساؤلات المفتوحة والتي تتطلب جوابا تفصيليا. فإذا كانت تصريحات شاؤول موفاز المعادية ضد إيران قد رفعت سعر برميل النفط في أقل من يوم واحد إلى رقم جنوني فما بال لو وقعت الضربة العسكرية وسعر البرميل يحوم اليوم حول 140 دولارا!
الأكثر أن إيران تُنتج حاليا أكثر من أربعة ملايين ومائة ألف برميل من النفط، وإذا ما وقعت الضربة العسكرية وقامت السفن الحربية الإيرانية بتعطيل الملاحة في الخليج بمعنى توقّف أربعين بالمائة من نفط العالم الذي يمر عبر مضيق هرمز فما هي النتائج التي قد يحتملها العالم الصناعي بعد ذلك.
السؤال الأكثر أهمية هو المتعلّق بالشق الأمني. إذ كيف ستتعامل واشنطن أو تل أبيب مع أوراق إيران المُزعجة في المنطقة، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين أو حتى الحركات الشيعية في باكستان ودول آسيا الوسطى؟
هذه هي التساؤلات الأكثر إلحاحا والتي بلا شك هي المعيق بأي تحرك تنوي الإدارة الأميركية أو الكيان الصهيوني القيام به.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2124 - الأحد 29 يونيو 2008م الموافق 24 جمادى الآخرة 1429هـ