كثيرا ما يتم الحديث عن جيل المراهقين والشباب الخارجين عن الطوق، الذين تكون لهم الصدارة في الأحداث الأمنية. وما أكثر اللعنات التي تنصب على رؤوس هذا الجيل... لأنه ببساطةٍ في واجهة الأحداث.
إلا أن هناك جيلا فتيا آخر في السنّ نفسه، ما فتئت تتكوّن ملامحه، وربما يكون له شأنٌ في مستقبل البلاد... وأيّ شأن.
الأسبوع الماضي، استقبلت «الوسط» شابا يافعا في الرابعة عشرة من عمره، ليحكي قصة حصوله على أول رخصة طيران. محمد يتلقى تعليمه في إحدى المدارس الخاصة، ويتمتّع بمستوى ذكاء غير عادي، وحاولت أن أقارنه بأشخاص أعرفهم، فتخيّلته في مستوى بعض الزملاء الصحافيين في سن الخامسة والعشرين.
هذا الشاب حضر بكمبيوتره المحمول، مجهزا بعرضٍ على (البوربوينت)، عن «مستقبل مملكة البحرين»، أعدّه بعنوان (Around the corner)، استلهمه من سباق الفورمولا 1 الذي انطلق قبل خمسة أعوام. يومها اقترح أحد الفنانين البحرينيين رسم شعار السباق على طائرات «طيران الخليج»، ولم يجد غير الصدود. هذا الاقتراح التقطه طيران «الاتحاد» الإماراتي العام الماضي، مع بدء تدشين الفورمولا هناك، وفي هذا العام أخذت به طيران الخليج. وتساءل: لماذا لم نأخذ اقتراح الفنان البحريني، وبدل أن نكون نحن صاحب الاختراع، بدَوْنا للعالم وكأننا مجرد مقلّدين؟
محمد المغرم بتتبع أخبار الطيران، استعرض أيضا تجربة «سويس أير»، وكيف تم تصفيتها من الأساس وإعادة بناء شركة أخرى على أنقاضها، لتخرج باسم جديد، وعقلية جديدة، وشعار جديد، والأهم بإدارة مسئولة جديدة. وتساءل: لماذا نستقدم شخصا لم تكن له خبرة بالعمل التجاري لإدارة شركاتنا، وكل خبرته أنه كان يعمل سابقا في مجال نقل المساعدات في حالات الطوارئ والمجاعة لإفريقيا؟ ولماذا لا نعطي المسئولية للكفاءات الوطنية، أليسوا هم أحرص الناس على مصلحة بلدهم؟
محمد اعتبر سباق الفورمولا مناسبة مهمة، فلأول مرة يحدث أن يسلّط الإعلام العالمي أنظاره على البحرين بسبب خبر جيد، بينما لم يعرف العالم هذا البلد في السابق إلاّ بسبب الأحداث السياسية والمظاهرات والاحتجاجات وما يقال عن التمييز والتجنيس... وآخرها الاحتقانات الطائفية التي سبّبها بعض المنفلتين فألحقت الضرر بسمعة البلد كله.
محمد يتكلّم الإنجليزية بطلاقة، ويجاهد في التعبير عن نفسه بلغةٍ عربيةٍ تختلط فيها المفردات الإنجليزية، وعليك أن تركّز فيما يقول لتعرف كيف يفكّر هذا الجيل الطالع، الذي يشكّل ثلث طلاب المدارس اليوم.
سألتُ محمد: كم ساعة تجلس على الانترنت؟ فأجاب: يعتمد على ما أستفيده منه، فأنا لا أفتح النت إلاّ عند حاجتي للقراءة عن موضوعٍ ما يهمني. سألته ثانية: هل تتابع الصحف المحلية؟ أجاب: فقط الأجنبية، إلاّ إذا نبّهني والدي إلى موضوع في الصحيفة بالعربي.
هناك من يقدّر أن الدفعة الأولى من هذا الجيل قد أكمل دراسته فعلا وعاد بشهاداته الجامعية، تحدوه الطموحات الكبيرة للتغيير، ولكنه لا يجيد لغته الأم، وبحكم تعليمه يعيش في انفصال عن المجتمع وقضاياه. وعليه حتى لو سُلّمت إليه مقاليد الإدارة في الدولة على أحسن الفروض، لا يُعلم كيف سيكون أداؤه في ظل هذا الانفصال الاجتماعي. أما إذا قُمع وتمّ تحجيمه وتحطيم آماله الكبار كما جرى لأجيالٍ سبقته، فإننا على موعد جديد مع مسلسل آخر من هدر الطاقات والكفاءات.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2124 - الأحد 29 يونيو 2008م الموافق 24 جمادى الآخرة 1429هـ