لم تكن تداعيات جريمة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 الرهيبة بالنسبة للعديد من المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية جديدة بشكل كامل. كان رد الحكومة الأميركية نوعا من تكرار الذاكرة بالنسبة للعديد من هؤلاء مثلي، الذين كانوا ناشطين في مجال الحقوق المدنية في الجامعة إبان حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي. الفرق الوحيد هو أننا نواجه اليوم مستوى جديدا أكثر حدّة.
كانت هواتفنا تتعرض للمراقبة في ستينات القرن الماضي وتجرى الآن مراقبة بريدنا الإلكتروني. كانت منظماتنا الناشطة تتعرض للتجسس وقتها، واليوم تجرى مراقبة أماكن عبادتنا كذلك. قبل أربعة عقود سعى عملاء حكوميون ومخبرون لإيقاعنا في شراكهم، واليوم يعمل جيل جديد بأكمله من هؤلاء بجد لهذا الهدف.
آخذين هذا الواقع بعين الاعتبار، اتخذ العديد من زعماء المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ثلاثة توجهات متنوعة حيال هذا الاهتمام المتجدد والمركّز من قبل الحكومة الأميركية.
التوجه الأول هو ما أسميّه استراتيجية «لنتقبل التحدي». ويشير هذا إلى منهجية المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية الذين كانت لهم تواريخ واسعة من المطالبة بالعدل الاجتماعي. لذلك لم تؤدِ أنواع الظلم التي نتجت عن دعاة التخويف ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بهم إلا إلى تشديد الكفاح نيابة عن المسلمين وغيرهم من الذين انتهكت حقوقهم الإنسانية.
أحد الأمثلة الجيدة هو مهدي براي، المدير التنفيذي لمؤسسة الحرية التابعة لجمعية الأميركيين المسلمين، الذي يستخدم تكتيكات لاعنفية وتحالفات عبر الأديان التي تشكلت أثناء حقبة الحقوق المدنية للدفاع نيابة عن حقوق المسلمين وغيرهم في القرن الحادي والعشرين. ومن الأمثلة حملة حقوق الإنسان الأخيرة التي قامت بها جمعية المسلمين الأميركيين في مصر والتي استخدمت احتجاجات عبر الديانات في السفارات والقنصليات المصرية كأسلوب للمطالبة بحريات سياسية أوسع في ذلك البلد.
التوجه الثاني هو ما أسمّيه «لو أنكم تعرفون»، ينزع المسلمون الأميركيون من أصول إفريقية في هذه الفئة للعمل على الحدود الثقافية بين المسلمين والمجتمع الأميركي الأوسع. يحاول أناس مثل هؤلاء، عن طريق استخدام المنطق والبحوث الإسلامية العلمية والعلمانية، التحدث مع أفراد المجتمع الأميركي (والعالمي) بأساليب تشجع الحوار الفكري عبر الثقافات. بدلا من نموذج صدام الحضارات، يكون التركيز هنا على قضايا اهتمام متبادل بين مجتمعات المسلمين وغير المسلمين.
تشكل انتصار راب، الخريجة الزميلة في برنامج القانون والقضايا العامة بجامعة برنستون (حيث تعمل على إتمام شهادة الدكتوراه بعد أن تخرجت من كلية الحقوق بجامعة ييل بشهادة القانون) مثالا شابا متطورا لهذا التوجه. وتشكل مشاركتها في الحلقة الدراسية بعنوان «المرأة والإسلام والغرب» بمعهد أسبن الدولي لبناء الحوار مثالا على هذا التوجه.
التوجه الثالث هو ما أسمّيه توجه «افعل لنفسك». هذه استراتيجية يركز فيها زعماء مسلمون أميركيون من أصول إفريقية معينين على التعامل مع قضايا داخلية تؤثر بشكل سلبي على الجالية المسلمة الأميركية من أصول إفريقية.
الفكرة وراء ذلك هي أن المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية لا يمكنهم أن يكونوا مساهمين بشكل كامل في الجالية المسلمة على اتساعها أو العالم على اتساعه إلى أن يتعاملوا مع بعض القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تؤثر على مجتمعهم.
من الأمثلة الجيدة على ذلك قيادة الإمام سراج وهّاج في المساعدة على إنشاء، ومن ثم قيادة التحالف المسلم لأميركا الشمالية، وهي منظمة تستهدف احتياجات الجاليات المدنية بمشروعات مثل «مبادرة الزواج الصحي».
التحدي الذي يواجه المسلمين الأميركيين من أصول إفريقية الذين يختارون أي واحد من هذه التوجهات الثلاثة هو فعل ذلك بعدالة بينما يحافظون على عدم تهيبهم من ما يبدو أنه تخويف يومي لا يكلّ ضد الإسلام باسم الوطنية والأمن القومي. وكما يقول القرآن الكريم ببلاغة وحكمة:
«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآنُ قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» (المائدة: 8).
* أستاذ مشارك ورئيس قسم الديانات العالمية بكلية مانهاتنفيل ورئيس مسجد الإسلام بنيوهيفن، كونيكتكت، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2124 - الأحد 29 يونيو 2008م الموافق 24 جمادى الآخرة 1429هـ