بين الحين والآخر تطالعنا وسائل الإعلام المحلية بمطالبات من أجل تحسين الأوضاع في البلاد، أو لتطوير صناعة معينة، أو للارتقاء بأداء مؤسسة أو قطاع معين. كل هذه المطالبات مشروعة، بل نطالب بالمزيد منها، طالما أنها تلتزم الموضوعية، وتنطلق من المصلحة العامة، ولا تحمل في ثناياها أية أوراق مخفية تغطي أهدافا مغلفة، ولا تسير في اتجاه مضاد لحركة التاريخ، وتطور الأمم، فتتصادم معهما.
وحديثا، ومع هبوب رياح صيف البحرين الساخنة، ارتفعت بعض الأصوات المنادية بمتنفس محلي، يلجأ إليه المواطن هروبا من هجير الصيف الذي تضاعف من آلامه الانقطاعات المباغتة للتيار الكهربائي.
ما يطالب به المواطن، من أجل تطوير مرافق الحياة المختلفة في المملكة، أمر مشروع، إن لم يكن مسألة مطلوبة وبإلحاح، لكن المفترض أيضا أن تكون المطالبات منطقية، وتنطلق من الظروف المحيطة، وقابلة للتحقيق.
لسنا هنا بصدد الدفاع عن المشروعات السياحية، أو التبرير لعدم اكتمال البعض منها. كما اننا لسنا في مجال التشدق بتلك التي أنجزت منها. كما لا ينبغي لنا أن نجتر فشل مشروعات سياحية سابقة، متناسين الظروف التي أحاطت بها والعوامل التي أدت إلى ذلك الفشل.
على رغم كل ذلك ليس هناك من بوسعه أن ينكر أن لدى البحرين، مقارنة بدول المنطقة، مقومات سياحية متى ما استثمرت بشكل صحيح بوسعها أن تؤسس لصناعة سياحية منتجة ومتقدمة.
أول مقومات النجاح هذه هو شعب البحرين. هذا الشعب الذي تربط أبناءه، وتربطهم بشعوب المنطقة روابط إيجالبية، بوسعها أن تشكل عامل استقطاب مهم لنسبة عالية من السياح الخليجيين. تتزاوج هذه الروابط مع السمة الاجتماعية التي تسود الغالبية من السكان، والتي تهيئ البيئة الاجتماعية الإيجابية التي يمكن أن تقام فوقها صناعة سياحية متينة قابلة للتطور والنمو.
ثاني تلك المقومات، هي مهارات الصناعة السياحية التي بحوزة المواطن البحريني، سواء كان ذلك على المستوى التعليمي أو الخبرة المهنية. فعلى امتداد السنوات الخمسين الماضية، تراكمت لدى سوق السياحة البحرينية خبرة غنية في خلق القنوات السياحية، وتوفير اليد العاملة الماهرة التي تقدمها وتقوم على صيانتها وتطويرها، لضمان استمرارها، وتفوقها على من ينافسها.
ثالث تلك المقومات، ذلك الموقع الجغرافي الإستراتيجي الذي تتمتع به البحرين، فعلى رغم التطور الكبير الذي شهدته صناعة المواصلات، يبقى للموقع الجغرافي أهميته الخاصة عند الحديث عن السفر أو الانتقال. والبحرين على مرمى قدم من المملكة السعودية، التي هي من الدول التي ينفق سكانها أموالا طائلة على السياحة، بما فيها السياحة الترفيهية. يضاف إليها دول الجوار الأخرى مثل قطر.
رابع تلك المقومات، التنوع السياحي الذي يمكننا أن نوفره، فلم تعد السياحة، بمفهومها العام والشامل، محصورة في قفصها الترفيهي الضيق، بل اتسع نطاقها كي تشمل قطاعات سياحية أخرى، من بين أهمها السياحة الدينية كما نشاهدها في دول مثل تركيا وإيران وسابقا العراق، والسياحة التجارية كما نلمسها في إمارات مثل دبي، إلى جانب السياحة الصحية التي اشتهرت بها دول مثل سلوفاكيا والأردن. وبوسع البحرين أن توفر باقة من التشكيلات السياحية التي تتداخل فيها الخدمات السياحية المختلفة: صحية، تجارية، دينية... إلخ مع بعضها بعضا.
خامس تلك المقومات هو القدرة التكاملية، فبوسع البحرين أن تكون مركزتحويل (محطة ترانزيت) مكملا يقدم خدمات معينة لدول مجاورة في مواسم سياحية مختارة. بوسع البحرين أن تكون مثل هذا المركز في مواسم الحج المختلفة بما فيها حج العمرة، للتخفيف من الازدحام في فترات الذروة، ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى السياحة التجارية مع دبي في بعض المواسم السياحية التجارية.
سادس المقومات، الخدمات عبر قنوات الاتصالات السريعة والكفؤة، بما فيها الإنترنت، إذ تملك البحرين بنية تحتية متينة، يساعد على إمكانات تطويرها والارتقاء بأدائها صغر مساحة البحرين الجغرافية، وملاءمة طبيعتها الطبغرافية الخالية من أية حواجز طبيعية تعوق حركة الاتصالات أوتحد من انتشار موجاتها. كما أن بوسع البحرين، بحكم موقعها الجغرافي أن تكون مركزا سياحيا مساعدا، كذلك الأمر بالنسبة للاتصالات، إذ بوسع البحرين أن توفر خدمات اتصالات متطورة تساعد صناعة السياحة المحلية، إلى جانب تلك التي في المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2123 - السبت 28 يونيو 2008م الموافق 23 جمادى الآخرة 1429هـ