أثارت مناداة المملكة العربية السعودية بحوار متواصل عبر الأديان بعض الاستغراب في الغرب.
لقد اعتُبِرت المملكة ومنذ فترة طويلة قطعة من الصحراء يحكمها رجالُ دين بالغي التزمت لهم تفسيرات متطرفة للإسلام. المرأة تتعرّض للظلم، يتم الإدعاء غالبا؛ يرغب علماء الوهابيين بتحويل دين العالم كلّه، بينما يمنع غير المسلمين من ممارسة شعائر أديانهم على الأرض السعودية، ضمن إدعاءات أخرى.
تصف صديقتي السعودية هذه الإدعاءات بأنها سوء تفسير محض. «نحن شعب مثلنا مثل غيرنا من شعوب العالم» تقول لي. «نحن ندعم الإصلاح ونحترم القيم الإنسانية ونقدّس الحداثة».
وبالمناسبة، تبدو صديقتي، مثلها مثل بقية السعوديات المتدينات، وأنها تتمتع بحياتها تماما كما تفعل أيّ صديقة من صديقاتي الغربيات، فتفسيرهنّ المحافظ للإسلام لا يمنع التعليم والتسوّق والموضة والحفلات من أنْ تكون جزءا من حياتهنّ.
يشكل دحض الإدعاءات التي تكال ضد الإسلام والمسلمين، بما فيه المجتمع السعودي، الهدف الرئيسي للحوار المستمر بين الأديان. يبدو أنّ خادم الحرمين الشريفين يشعر بالتزام خاص تجاه الإسلام.
قام الملك في بداية هذا الشهر بافتتاح مؤتمر استمر ثلاثة أيام في مكّة المكرمة يهدف إلى تشجيع حوار مستقبلي بين الأديان مع غير المسلمين. أخبر الحضور، وجميعهم من المسلمين، «لقد اجتمعتم اليوم لتخبروا العالم كلّه بأننا صوت العدالة والقيم الإنسانية، بأننا صوت التعايش والحوار العادل العقلاني».
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي دخل الملك عبدالله التاريخ عندما قابل البابا بنديكت السادس عشر في الفاتيكان، وهذا الشهر ظهر العاهل السعودي السّني إلى جانب آية الله هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق لإيران الشيعية بشكل رئيسي، في إيماءة رمزية؛ لتشجيع الوحدة الإسلامية.
يمكن رؤية بوادر كهذه على أنها جزء من تكيّف أوسع لرجال الدين السعوديين مع الحياة الحديثة. وقد نقل المؤتمر، وهو الأوّل من نوعه الذي ينشأ من السعودية العربية، رسالة مهمّة: لا يتحدى حوار الديانات أية مبادئ دينية. الواقع أنه يُعتَبر عنصرا أساسيا في الإسلام.
وقد استشهد بمقتطفات من القرآن الكريم والسنة لإبراز أهمية هذا الحوار.
وقد أكّد المفتي الأكبر للديار السعودية عبدالعزيز بن الشيخ أنّ الدين يشجّع على تقبل الحياة الحديثة، «نحن نعيش في زمن متواصل» يقول الشيخ. «لقد أصبح التأقلم والتكيّف معه من خلال عقد الحوار والتواصل بين بني البشر فرضا علينا».
لا شك بأنّ الالتزام بالانخراط في حوار الأديان تطلب جهودا إضافية في السعودية نظرا للمواقف المفعمة بالشك التي يبدو أنّ رجال الدين السعوديين قد تغلبوا عليها الآنَ. ويعزو حسن الأحدل، مدير الإعلام والعلاقات في رابطة العالم المسلم، هذا التردد إلى الخوف من أنْ ينتهي الأمر بدين عالمي واحد يضر بتعاليم الديانات الأخرى كافة .
إلا أنّ هذا المؤتمر أوضح أنّ الهدف ليس هو تعريض مبادئ أيّ دين للخطر. «الأولوية هي الاتفاق على قيم مشتركة من دون الولوج في القضايا الدينية والتي هي دائما محل خلاف» يقول الأحدل. «لن ينجح أيّ جانب في تغيير الجانب الآخر».
يدعم مفتي الديار السعودية المحادثات بين الأديان، مدعيا أنّ الدعوة هي الهدف النهائي للانخراط في الحوار. وعلى رغم أن الدعوة تستخدم أحيانا في القرآن الكريم لتمثل الوعظ بهدف التحول عن الدين إلى الإسلام، إلا أنها تعني فعليا «الدعوة» ويمكن استخدامها لدعوة الآخرين إلى فهم الإسلام. «لا خلاف هناك حول التباين بين الناس» يضيف المفتي. «من الطبيعي أنْ يختلف الناس في السلوك واللغة واللون والذكاء. القرآن الكريم يعترف بذلك».
ورغم أنه لم يصدر بعد أيّ جدول زمني للمحادثات عبر الأديان اليهودية والمسيحية والإسلامية إلا أنّ المشاركين المسلمين وضعوا الأسبوع الماضي استراتيجية للحوار واتفقوا على إنشاء هيئات لرعاية الحوار الأكاديمي مثل مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي للتفاعل بين الحضارات، وإنشاء جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين الحضارات.
لم يتضح بعد ما إذا كان الملك عبدالله ينوي، من خلال منتدياته، أنْ يحل النزاعات السياسية على المدى البعيد. ولكن يتوجّب الحفاظ على الأجندة بعيدة عن السياسة في الوقت الراهن.
يجب أن تثير الأولوية الرئيسية لهذا الحوار، وهي دعوة الناس من الديانات كافة ، وبالذات اليهودية والمسيحية في الغرب إلى الانضمام إلى المسلمين للحكم بعقلانية على ما إذا كانت الشكوك المتبادلة مبررة، الآمال وليس الدهشة.
* صحافية مستقلة مركزها بروكسل تركز على نقاط التلاقي بين الدين والسياسة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2123 - السبت 28 يونيو 2008م الموافق 23 جمادى الآخرة 1429هـ