العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ

مسار إلى الحرية

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

قررت علا أبودياب في أحد الأيام أن تذهب في رحلة سيرا على الأقدام.

كان يمكن لعلا في أي جزء آخر من العالم أن تركب الحافلة إلى بداية المسار، وتبدأ السير. إلا أن علا فلسطينية من القدس، وكانت تريد المشي على الجانب الآخر من الجدار، في قرية فلسطينية إلى الجنوب من نابلس. على رغم أن جيل والديها عبر تلك المنطقة بحرية، فإن علا البالغة من العمر عشرين سنة نشأت في عصر نقاط التفتيش والحواجز والقيود على السفر والتنقل. لم تذهب إلى جنوب نابلس في أي يوم من حياتها.

«لم أكن أعرف إذا كان باستطاعتي المشي في البداية»، اعترفت لي أخيرا أثناء شرب فنجان من القهوة في القدس. «قال لي أصدقائي وأفراد أسرتي: تذهبين إلى أين؟ ستمشين؟!»

كانت علا واحدة من 28 طالبا وطالبة فلسطينيين وأجانب قاموا بتدشين أول جزء وطوله 50 كيلومترا من مسار إبراهيم الخليل، أو مبادرة مسار إبراهيم في فلسطين في يوليو/تموز الماضي. انضمت علا إلى طلاب من أميركا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى طلبة فلسطينيين من كل أنحاء المنطقة، في رحلة على خطى إبراهيم (عليه السلام)، الذي تقول الروايات إنه مشى هناك قبل أربعة آلاف سنة.

كانت معها أليزا نوريس وهي فتاة في السادسة عشر من عمرها من كولورادو، ونزار حلوم وهو فلسطيني يدرس الأدب الفرنسي ويرغب الآن باستكشاف ثقافة وطنه. قضوا وقتا مع عائلات محلية، يسردون قصصهم وفي بعض الحالات يأكلون طوال الليل.

بالنسبة إلى الأجانب، كانت تلك فرصة لاستكشاف شرق أوسط مختلف عن ذلك الذي يرونه في الأخبار. كان ذلك بالنسبة للفلسطينيين فرصة للقاء طلبة من كل أنحاء العالم، وتنفس الهواء النقي والمشي في جميع أنحاء الأراضي. كانت لمحة لما قد تكون عليه الحياة الطبيعية التي كان يمكن أن يعرفوها لولا وجود النزاع الذي عرفوه طوال حياتهم.

«عندما كنا نسير باتجاه قرية الطيبة، رأينا بعض الحيوانات. لم أكن أعلم أن هذه الحيوانات تعيش في بلدنا!» أخبرتني علا. «كانت هناك جبال، لم أكن أعلم أن لدينا جبالا كهذه. كنت أظن دائما أن لدينا نوعا واحدا من الجبال في فلسطين!

كنت في الطيبة عندما وصلت المجموعة، ولن أنسى أبدا منظر الطلبة الفلسطينيين والأجانب. يسيرون ذراعا بذراع بعد مسيرتهم من نابلس. كنت أظن أن الأمر مستحيل. انطلقت مبادرة مسار إبراهيم، التي تأسست في برنامج التفاوض الدولي بجامعة هارفرد، بفكرة من ويليام يوري، وهو خبير في مجال المفاوضات تراءت له فكرة بسيطة ولكنها محورية بإنشاء مسار في خطى إبراهيم من جنوب تركيا إلى الخليل. سيضم المسار في نهاية المطاف مسارات في «إسرائيل» ومصر والسعودية والعراق. كان مقتنعا أنه إذا خاض الأجانب تجربة كرم الضيافة الخرافية لسكان المنطقة فستتشكل علاقات دائمة، الأمر الذي يوجد حركات على مستوى الجذور من التعاون. كانت خطة لتغيير العالم مع كل سائر في هذا المسار.

إلا أنه لم يكن في الإمكان إقناع الجميع. تم استخدامي قبل سنتين لتجميع فريق من المنظمات الفلسطينية غير الحكومية للبدء بوضع مخططات الجزء الفلسطيني من المسار. كنت قبل ذلك قد التقيت بسلسلة من «الخبراء» الذين حذروني بأننا أغبياء. «حظا سعيدا» قال أحدهم ضاحكا.

آخذة تحذيراتهم بعين الاعتبار، قمت بحثّ الفلسطينيين على تناسي مسار من الشمال، كنت اعتقد أنه يحتاج لعشر سنوات قبل أن يكتمل، وأن يفكروا بمسار أسهل عبر مدينة أريحا. ولكنهم رفضوا.

«لم يمشِ إبراهيم في مسار كهذا»، احتج جورج رشماوي، وهو منسق رحلات سياحية من بيت ساحور. «كما أن الشمال عانى بأبشع الصور من النزاع. نستطيع هناك أن نحقق نتائج».

لم يكن أمامي خيار سوى اتباع مشيئتهم، فالمسار مسارهم في نهاية المطاف. لم يحتج الأمر سنوات. صادق الفلسطينيون كل مجتمع محلي مر به المسار، طالبين الإذن بمرور المسار. بدلا من استخدام أجهزة تحديد المواقع الإلكترونية، سألوا عن اتجاه السير إلى القرية التالية. كان مسار المشي معروفا أحيانا. في أحيان أخرى قضوا أياما يبحثون عن مسار قديم أكل الدهر عليه وشرب. كانت الطريق موجودة في كل حالة.

خلال شهور قليلة، قاموا بوضع مخططات المسار في أماكن يقول المنطق أنها أكثر المناطق عرضة للاشتعال في الدولة. ولكنها بعضا من أجمل المناطق كذلك.

وهي موجودة اليوم، حتى تستطيع علا أن تعيش حلم المشي بحرية. وهي موجودة حتى تستطيع أليزا، التي كان عمرها أقل من عشر سنوات يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول العام 2001، أن تمشي إلى جانبها. وهي موجودة حتى يستطيع بيدرو، الطالب البرازيلي أن يدعى إلى حفل زفاف. وهي موجودة حتى يستطيع سكان قرية عورتا، التي يفصلها عن مدينة نابلس نقطة تفتيش، بناء اقتصاد من خلال استضافة هؤلاء الزوار في منازلهم وشراء المنتجات المحلية.

من يدري إذا كان بإمكان مسار أن يغير العالم؟ كل ما أعرفه أنه الآن، عندما تريد علا أبو دياب أن تذهب في مشوار على الأقدام فهي تعلم أن ذلك ممكن.

* كاتبة مركزها القدس، وهي مستشارة رئيسية لمسار إبراهيم الخليل، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2303 - الخميس 25 ديسمبر 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً