هنالك قول مأثور لعضو محكمة العدل العليا الأميركية أوليفير هولمز قال فيه: «الضرائب هي ما ندفعه لقيام مجتمع متمدن»، بينما قال سلفه على محكمة العدل العليا الأميركية رئيس المحكمة جون مارشال، وكان محقا فيما قال: «السلطة على فرض الضريبة هي السلطة على التدمير».
ترى في أية نقطة تنتقل فيها الضريبة من كونها ضرورية لإدارة الحكومة بشكل مناسب إلى الاستبداد؟
الآباء (المؤسسون) الأميركيون اعتبروا في إعلان الاستقلال الأميركي أن أحد تظلماتهم ضد الملك جورج الثالث أنه فرض «ضرائب علينا بدون موافقتنا».
«لا ضرائب بلا تمثيل» كان هو النداء الذي قامت على أساسه الثورة، ومنذ ذلك الحين كان هنالك توافق واسع بأن فرض أية ضريبة دون موافقة المحكوم هو نوع من الاستبداد الضريبي. هذا هو السبب الذي يجعل فرض الضرائب في الأنظمة الديمقراطية يحوز شرعية أخلاقية أعظم من تلك الضرائب التي تُفرض من قبل الأنظمة غير الديمقراطية.
وبانتشار الديمقراطية على امتداد العالم، فإن أناسا أقل يتعرضون الآن لذلك النوع من الاستبداد الضريبي. ومع ذلك وفي السنوات الأخيرة فإن بعض البلدان وبشكل رئيسي ضمن الاتحاد الأوروبي حاولت تحت شعار «التنسيق الضريبي» و «الممارسات الضريبية غير المنصفة» فرض توجّهاتها لوضع ضرائب أعلى على الدول ذات الضرائب المُنخفضة. وقد حاولت بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرض ضرائب على الآخرين بدون موافقتهم.
شكل آخر من أشكال الاستبداد الضريبي يقع عندما تفرض الحكومات نسبا ضريبية أعلى من الحد الأعلى لجمع الأموال. لقد كان معروفا على امتداد القرون أن لكل ضريبة نسبة عليا إذا تم تجاوزها فلن تجلب مداخيل أخرى؛ لأن الناس سيتوقفون عن التعامل مع النشاطات الخاضعة لتلك الضريبة، سواء كانت العمل أو الادخار أو الاستثمار أو الاستهلاك للبضائع والخدمات الخاضعة للضرائب. مثل تلك النسب العالية من الضرائب تُشجع على انتشار الأسواق السوداء الخفيّة و/ أو نزوح أنشطة معينة.
على سبيل المثال، فإن نسبا عالية من الضرائب على رأس المال تدفع الناس إلى الانتقال بأموالهم إلى مناطق تفرض نسب ضرائب أقل. نسب الضرائب العالية جدا على العمل يمكن أن تدفع بالناس إلى الانتقال حتى من بلد إلى بلد أو دولة أخرى. هنالك حالات كثيرة معروفة قام فيها من يحصلون على مداخيل عالية مثل نجوم السينما والرياضة وغيرهم بالانتقال من بلدانهم الأصلية التي تفرض ضرائب عالية مُقعِدة إلى أماكن أكثر ودا من الناحية الضريبية. ولكن لسوء الحظ، هنالك حكومات كثيرة بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة مازالت تفرض ضرائب ونسب ضرائب أعلى من الحد الأعلى لجمع الموارد.
نوع آخر من الاستبداد الضريبي يتجلى عندما تُفرض ضرائب قسرا لتمويل برامج حكومية ذات مردودٍ قليل أو حتى بلا مردود، أو حيث تكون برامج الإنفاق متلبسة بالرشى وسوء الإدارة.
وقد أعلن الرئيس جروفر كليفلاند في خطابه السنوي إلى الكونغرس العام 1886 قائلا: «عندما يُقتطع جزء أكبر من مداخيل الناس من خلال أنماط من الضريبة تفوق ما هو ضروري لمواجهة التزامات الحكومة ونفقاتها في إدارة الاقتصاد، فإن مثل تلك الضرائب تُصبح ابتزازا بلا رحمة وانتهاكا للمبادئ الأساسية لحكومة حرة».
الحكومات من حيث طبيعتها ليست مؤهلة لأن تدار بمثل الكفاءة التي تدار بها النشاطات الكثيرة للقطاع الخاص، حيث يُنفق الناس من أموالهم الخاصة، ولكن هنالك قادة سياسيون كثيرون في كل بلد من بلدان العالم تقريبا الذين يتجاهلون إلى حد كبير مسئوليتهم تجاه دافعي الضرائب بقبولهم لمستويات عالية من الفساد و/ أو سوء الإدارة. وقد عبّر الرئيس كالفين كولدج بشكل واضح عندما قال: «إن جمع ضرائب أعلى مما هو ضروري على نحو مطلق، هو نوع من أنواع النهب القانوني».
الاستبداد الضريبي يمكن أن يوجد أيضا عندما يتم اختيار أعضاء مجموعة من الناس لدفع نسبة تفوق النسبة المُقررة على أساس من دينهم أو عرقهم أو جندرهم أو غير ذلك من الظروف. في أيامنا هذه نرى ذلك كثيرا في الحكومات التي تُسيء إلى فكرة الضريبة المتصاعدة. على سبيل المثال في الولايات المتحدة فإن واحدا في المائة من أعلى فئة من دافعي الضرائب يدفعون 40 في المائة من ضريبة الدخل، بينما هم لا يملكون سوى 21 في المئة من الدخل. وفي الوقت ذاته فإن الـ50 في المئة الأكثر انخفاضا بين دافعي الضرائب يدفعون فقط 3 في المائة من الضريبة بينما هم يحصلون على 12 في المائة من الدخل.
عندما تُحوّل الغالبية العبء الضريبي كله تقريبا إلى أقلية صغيرة يجب عليهم أن يدفعوا قسطا غير متناسب إطلاقا مع نسبة مداخيلهم فإن ذلك يُمثّل شكلا من أشكال الاستبداد الضريبي. بلدان كثيرة ربما يبلغ عددها دزينتين من التي عانى مواطنوها تحت حكم الشيوعية المستبد فرضت «ضريبة ثابتة» لتفادي هذا الشكل من أشكال الاستبداد الضريبي.
الاستبداد الضريبي يُخفّض من الفرص الاقتصادية ومن الوظائف ومن نمو الدخل، ويؤدي إلى النيل من المجتمع المدني. الاستبداد الضريبي سيستمر طالما أن السياسيين يستطيعون شراء أصوات مجموعة من المواطنين عن طريق إصدار الوعود لهم بتحويل عبء الحكومة إلى الآخرين، وإلى المدى الذي يواصل فيه القضاة السكوت على فرض ضرائب غير مناسبة وضرائب تنطوي على التمييز.
* خبير اقتصادي في معهد كيتو بواشنطن، ومدير مؤسسات اقتصادية عدة بما في ذلك «المركز الأوروبي للنمو الاقتصادي» بالنمسا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
www.misbahalhurriyya.org
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 2122 - الجمعة 27 يونيو 2008م الموافق 22 جمادى الآخرة 1429هـ