من المعتاد أن يكون الوضع مختلفا حينما تتناول الشأن البحريني في اللحظة الراهنة، ويتباين بحدية مع سائر الشئون والمشاهد الخليجية، فـ «البحريني» أصبح كأنما هو اصطلاح خرافة وتهويم مثالي غير موجود البتة، ويكاد الفرد في بلادنا هذه أن يتوفاه الله دون أن يصبح «بحرينيا»، فلربما هو «بحريني» في الرفاع والمحرق وغير «بحريني» في الدراز وكرزكان والسنابس وغيرها، وربما هو «بحريني» في الدراز وكرزكان وسنابس وغيرها ولكنه للأسف يموت غير «بحريني» في المحرق والرفاع وغيرهما!
كما أن هذا قد يعني أنك إذا ما وددت تناول الشأن والمشهد والصورة البحرينية فعليك أن تتغاضى عن العديد من المحددات «البحرينية» الوهمية، وعليك أن تخضع لحكم سكين التشطير الطائفية ولشطرين طائفيين رئيسيين قابليَن للانشطار في اليوم الواحد ألف مرة، وهما الشطر السني والشطر الشيعي، فلا تقل لي إن فلانا بحريني، وإنما قل لي إن فلانا هو سني أو شيعي حتى أعرف همومه وقضاياه ومشاكله وانتماءاته وولاءاته «البحرينية» ولو تعانقت مصائر جميع «الفلانات» والبالونات الطائفية!
فمن أراد أن يتكلم عن ومع السني في البحرين فعليه أن يستحضر معه سقيفة بني ساعدة و «واقعة الجمل» ورأس سيدنا الحسين (رض) والفتن الأموية والعباسية والإمبراطورية العثمانية وساحل فارس وبر فارس وبادية نجد ومزارع الإحساء وسواحل إفريقيا ونظام صدام حسين وغزوات «الوهابيين» و «العمليات الانتحارية» في كل حدب وصوب من دون أن يزل نحو أيام التجارة والغوص والصيد، وبالمثل من أراد أن يتكلم عن ومع الشيعي في البحرين فعليه أن يستحضر أيضا «واقعة الجمل» وفتنة وخلافات الصحابة السياسية/ العقائدية وآل البيت الأطهار والقرامطة والدولة الصفوية والثورة الخمينية و «فيلق بدر» ومزارع الإحساء وبيوت القطيف والعمق الريفي الإيراني و «حزب الله» من دون أن يمر بأشلاء بساتين النخيل وبأنقاض السواحل البحرية في البحرين رغم أنه يراها يوميا متآلفة عابرا خلال ربع ساعة أو نصف ساعة أو ساعة واحدة بالكثير، فيبقى من سخف القول ومن ضياع العقول الحديث عن «البحريني» الذي أعطى هذه الأرض كامل محبته رغم أن الكيان واحد والقضايا واحدة والمصائر واحدة والهوية واحدة رغما عن أنف وابل التشتتات المصلحية والسياسية والحزبية والفئوية، فأعان الله السني العملاق والشيعي العملاق في البحرين وهما يتحملان ثقل جميع تلك الأوزان والأوزار والمسئوليات التاريخية المكلفة جدا، ورحم الله الفقيد «البحريني» وعجل الله فرج «البحريني» المنتظر!
وبالحديث عن الانشقاقات والشروخ والانشطارات أو التشطيرات الطائفية والإثنية الموغلة العمق في الجسد البحريني لربما يعد أكثر نفعا وفائدة أن تتم إعادة النظر والتأمل في حال ما يطرح من «مبادرات وطنية» للم الصفوف والتأكيد على «الوحدة الوطنية» سواء من قبل القيادات الشعبية أو النخب أو من «منظمات المجتمع المدني» ومنها على سبيل المثال المبادرة الأخيرة التي أتت في الوقت الضائع، وبدت أقرب ما تكون إلى كونها محاولات تائهة لتسكين الخواطر الفضفاضة وتلطيفها وإطلاق الشعارات والعبارات العامة، فما شأن هذه المبادرات هو في كونها تعاملت مع جزء من معادلة الشحن والاصطفاف الطائفي دون أن تتناول هذه المعادلة بشكل متكامل، فهناك مظلوم وإن أصبح في أحيان ظالما، وهنالك ظالم ولو كان في أحيان أخرى مظلوما!
ولعل ما تحتاج إليه المبادرة هو شجاعة وجرأة وصراحة تحديد المسميات والألفاظ بدلا من التعميمات والتعويمات والمجاملات فتقول حينها للطائفي «أنت طائفي» أو «أنت مساهم في الأزمة الحالية» أكان هذا الطائفي معمما أو ملتحيا أو مرتديا كرافتة أو مرتديا بنطلون «جينز» فهذه أولى أبجديات المصالحة الوطنية بدلا من الدوران في حلقات مسيسة ومفرغة، فإن كان هنالك من تعمد مقزز ومشهود بشكل شبه يومي لإثارة الفتن الطائفية وتطييف سائر الأمور، واستهداف جزء كبير من المجتمع البحريني دون أي اعتبار وطني متغلغلا في ذلك بأحشاء الصحافة ومنابر الجمعة ومدعوما في ذلك من قبل أعالي المتنفذين، فهنالك أيضا جانب كبير لا يمكن التقليل من شأنه تجاه المسئولية الذاتية لمن تجاهل واستنفر بعيدا عن القوائم والمبادرات الوطنية والديمقراطية الموحدة، فمن أراد منهم إيصال «الأجندة الدينية» أو بالأحرى الأجندة الطائفية إلى ساحات السياسة واستبعد رفاقه الوطنيين فعليه حينها أن يكون مستعدا لدفع أثمان ذلك جيدا وأن يتحمل كامل المسئولية الذاتية على ذلك أكان هو جانيا أم ضحية في هذه السيناريوهات التي استنفدت أهدافها على حسابه!
أما فيما يتعلق بجانب الحكم وهو في طور ما يريد تطبيقه من مشاريع وتوجهات وعمليات انتقالية وتكتيكات مرحلية سواء لإصلاح الوضع أو تغييره أو إعادة تشكيله فإن كل ذلك لن يتم دون شك بشكل سليم مع غياب ومرض ورحيل «البحريني» من البحرين وليس هنالك غير الفلقتين السنية والشيعية، وأقترح عليهم أن يزودوا أبناء «الشعب البحريني» أو أبناء الفلقتين السنية والشيعية بأطنان من الأقراص الطبية التخديرية والمضادة للاكتئاب والقلق والتوتر الوطني زيادة على ما يتناولوه يوميا عن آمال بالإصلاح والتغيير وهذا الشعب تنتظره معارك مصيرية ووجودية لا أفق منظورا لمواجهتها والانغماس بها ولا يعرف أهدافه ومراميه، وربما عليهم أن يقتدوا بالتجربة الأميركية التي يتم فيها تزويد الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان بأقراص وكبسولات «PROZAC» و «Zoloft» و «SSRIs» التي لربما لها مضاعفات أكثر خطورة من الأمراض والاضطرابات النفسية ذاتها كما هي قد تودي بالمتعاطين إلى الانتحار لا الإبقاء عليهم في أرض المعركة في مواجهة أعداء وأهداف ومصائر وآفاق مبهمة ومشوشة أو لا يعرفون عنها شيئا، فإن كان هنالك وصف للجيش الأميركي بأنه «America>s Medicated Army» أو «الجيش الأميركي المداوى والمطبب» كما ذكرت حول ذلك مجلة «التايمز» الأميركية في تقرير مفصل نشرته مؤخرا، فإننا أيضا بحاجة إلى «المواطنين البحرينيين المخدرين أو المداوين والمشبعين بمواد وأمزجة التطبيب» فذلك أفضل من انتظار «بحريني» لن يعود أو البقاء مع «المريض البحريني» الذي قد لا يشفى، وأفضل من منظر من دأب تاريخيا على إشعال الحرائق الطائفية ومع ذلك يقول لها في النهاية «يا نار كوني بردا وسلاما على البحرينيين»!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ