أيهما أهم في العراق الملف الأمني، أم التوافق السياسي؟
السؤال قديم بقدم التردي الأمني الذي شهدته البلاد منذ الاحتلال الأميركي، لكن الجديد أن العمليات العسكرية التي أطلقتها الحكومة العراقية لملاحقة «الخارجين عن القانون» أتت أكلها في المحافظات الجنوبية وبعض أحياء بغداد بالإضافة الى الموصل في الشمال وقريبا ديالى المضطربة، حسبما أعلن رئيس الوزراء العراقي أمس الأول، لكن هل هذا التطور في تحقيق الأمن يمكن أن يُعَدَّ بداية لتحقيق استقرار سياسي في بلد أصبح أبناؤه يتوزعون بين قومياتهم وطوائفهم؟
أفضل ما يشير إلى مستقبل الوضع السياسي في العراق هو بنود الاتفاقية الأمنية مع أميركا، قراءة متأنية لما بين أسطر الفقرات التي تم تجاوزها بعد الاتفاق عليها بين الجانبين تشير إلى أن واشنطن غير متفائلة بمستقبل الوضع السياسي حتى وإن شهد العراق استقرارا امنيّا لفترة محددة كما هو الآن. فالأميركان في اتفاقيتهم الأمنية تمسكوا ببند «عدم التدخل في الشئون العراقية، أو الدفاع عن النظام الجديد في العراق»، وهو موقف ينمُّ عن نظرة أميركية مختلفة عما يقال في الإعلام عن مستقبل العراق السياسي، حيث التمسك بهذه الفقرة يشير إلى أن الساسة في واشنطن غير متفائلين بالمستقبل، وخصوصا أن خلافات الكيانات السياسية العراقية قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية جديدة.
لو عدنا إلى واقع العملية السياسية وقارناها بالوضع الأمني سنجد أن هناك تباينا واضحا بين المسارين، فالمكونات العراقية تختلف على أبسط القوانين والموضوعات التي تثار في البرلمان أو حتى عبر وسائل الإعلام، وهي كيانات قابلة للتحارب مع اقتراب تنفيذ الاستحقاقات الدستورية التي مازالت مؤجلة بسبب اختلاف الفرقاء السياسيين.
في العراق الآن خمسة قوانين (مستحقة دستوريّا) من المتوقع أن تثير جميع الأطراف، في مقدمتها قضية مستقبل كركوك، وفيدرالية الوسط والجنوب، وقانون النفط والغاز، وتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أميركا فضلا عن التعديلات الدستورية التي كانت أحد أهم أسباب الخلاف القائم، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على إقرار الدستور والعمل به.
الوضع الأمني في العراق مازال هشّا (هذا ما قاله آخر تقرير للبنتاغون)، ولا يمكن لأحد أن يلوم العراقيين المهاجرين والمهجَّرين عندما يرفضون العودة إلى بيوتهم ومناطقهم التي تركوها بسبب الاقتتال الطائفي، فمعظمهم يعرف أن ما يجري في بلادهم هدنة مؤقتة لا يمكن أن تتحول إلى استقرار حقيقي بدون توافقات سياسية تقتنع بها جميع مكونات الشعب التي يسيطر عليها شعور أن البلد لم يعدْ واحدا إلا في الكتب المدرسية والخرائط.
ترى هل سيعي السياسيون أن توافقا وطنيّا - لا فئويّا - هو الوصفة الناجعة لكل ما يعانيه العراق أو (الوطن المريض)...
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ