يحل على البحرين ضيفا هذه الأيام رئيس تحرير إذاعة «مونت كارلو» الدولية اللبناني جورج نوفل ليقدم خلاصة خبرته في دورة فن «المقابلات الصحافية وتقنياتها» لعدد من الإعلاميين والصحافيين البحرينيين ضمن باكورة دورات تنظمها شئون الصحافة والإعلام الخارجي بوزارة الإعلام (مشكورة) ضمن مساعيها لرفع مستوى الأداء المهني في الصحافة البحرينية. وحضور نوفل بما يمثله من رمزية في الإذاعة يعني أن «مونت كارلو» بكل مضمونها الإعلامي الكبير تحل ضيفة على مملكة البحرين.
الإذاعة العربية التي تتخذ من فرنسا موقعا لها وضعت نفسها على قمة منافسة وسائل الإعلام الدولية (عربيا) بمهنيتها ونزاهتها التي أحدثت مفارقات كبيرة مع الإعلام العربي الرسمي منذ تأسيسها العام 1972م، إذ استطاعت مونت كارلو (الشرق الأوسط) سابقا التحول إلى مونت كارلو (الدولية) عبر إرساء مكانتها وجذب جمهورها حتى تصدرت طليعة الإذاعات العالمية. وتقول الإذاعة إن عدد مستمعيها يبلغ الآن أكثر من 15 مليون مستمع موزعين بين منطقة الشرق الأوسط وبلدان الخليج بالإضافة الى بلدان المغرب العربي. كما تتكون أسرة الإذاعة من فريق تحريري فاعل يضم أكثر من 80 صحافيا ومراسلا موزعين في أنحاء العالم إضافة الى فريق حيوي من المذيعين الذين يعملون بمساعدة تقنيين متخصصين يعتمدون النظام الرقمي في الإنتاج والبث.
الصدقية أهم من الفخامة
ضحك أحد الصحافيين الكبار عندما سألته ذات مرة عن «مونت كارلو»، قائلا إنه تفاجأ لما زار مبنى الإذاعة مطلع التسعينات، إذ كان يظن أن هذا الاسم الذي تهز أخباره العالم العربي تكمن وراءه بناية ضخمة متطورة متعددة الطوابق والأجهزة الحديثة، وإذا به يجده مبنى متواضعا جدا يحتوي على عدة غرف ضيقة وعدد محدود من العاملين بالإضافة إلى أجهزة بسيطة.
لعل في ذلك نرى دلالة واضحة على أن القيمة الإعلامية ليست في فخامة المباني الإعلامية وأجهزتها وإنما بما تقدمه من معلومة ساخنة ونزيهة. فالإذاعة التي اصبحت في نهاية العام 1996 تنتمي الى مجموعة إذاعة فرنسا الدولية وهي تبث مجمل برامجها بالعربية من مقرها الجديد في دار الإذاعة الفرنسية في باريس الذي انتقلت إليه في 1999، لم تغيّر سياستها التي تعتمد على الصدقية ما أمكن، بل طوّرتها أكثر مستفيدة من التقنيات المتوافرة.
رمزية وجود أحد أعمدة «مونت كارلو» الأساسية هنا في البحرين، إنصافا، يعطي صورة حية لما وصلت إليه المملكة في مساعيها للإعلام الحر والمستنير، كما أنه يرسل إشارات واضحة إلى أن الإذاعة الرسمية في البحرين لابد لها أن تتلبس مهنية «مونت كارلو» وشعبيتها ما أمكن، بالتعرف على مواقع النقص الحقيقية التي لا تنتهي عند الفنيات والتكنولوجيا بقدر ما ترتبط بالموضوعية الخبرية وصدقيتها.
عقبال إذاعة البحرين
نوفل الذي قضى 27 عاما في عالم الإذاعة أثرى الدورة بلَفتات جميلة اختزلتها ذاكرته وخبرته الطويلة، وكانت ألطفها صفعة منه غير مقصودة لأحد رؤساء فرنسا، قابلها الأخير بابتسامة خفيفة. وهنا جاء تعليق أحد الصحافيين قائلا لنوفل: «احمد ربك أنه ما كان رئيسا عربيا... وإلا لما رأيناك الآن». فضجت القاعة بالضحك.
لا تنكر وزارة الإعلام أن الفارق بين ضيفتها (مونت كارلو) وإذاعتها (راديو البحرين) مازال شاسعا جدا، وتدرك الوزارة جيدا أن ما تقدمه من برامج وإن تطور كثيرا فإنه لا يرقى لطموح الجمهور البحريني، الذي ربما تلجأ غالبيته إلى سماع الأولى عند فتح المذياع من أجل العثور على المعلومة الساخنة والجريئة والنزيهة إلى حد ما. وهذا ما نتمنى أن تستفيده الوزارة من هذا التمازج الفكري والعملي عبر الاستضافة الحالية.
الوكيل المساعد لشئون الإعلام الخارجي الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة زار موقع إقامة دورة «فن المقابلات الصحافية وتقنياتها» ظهر أمس وجلس جلسة ودية مع الصحافيين المشاركين تبادل معهم فيها آراءهم واقتراحاتهم بشأن الدورات التي تقدمها الوزارة، ووعد خلال اللقاء الذي تميز بالحميمية بأن تطوير أداء الصحافة البحرينية سيبقى على سلم أولويات الوزارة في الفترة المقبلة عبر الدورات الداخلية وحتى الخارجية. من جانبهم قّدر الصحافيون للوزارة هذا الاهتمام، متمنين استمرار مثل هذه الجهود التي من شأنها تغيير مفهوم الإعلام البحريني إلى الأفضل. ولسان حالهم يقول: عقبال «مونت كارلو بحرينية دولية».
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2119 - الثلثاء 24 يونيو 2008م الموافق 19 جمادى الآخرة 1429هـ