العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ

مبادرة كريمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مانشيت اثنتين من الصحف البحرينية يوم الخميس الماضي، تصدّر خبر مبادرة عدد من الشخصيات الوطنية للتهدئة.

المبادرة جاءت من قبل جمعية «وعد»، ودعت فيها حليفتها بالتحالف الرباعي «الوفاق»، إلى إلغاء المسيرة «لأن الوطن لديه معارك أكبر يجب خوضها»، وطالبت الجهات المعنية الأخرى بـ «التوقف عن دعم الطائفيين الموتورين ووضع مصلحة الناس أمام كل شيء» كما جاء في النداء.

وإذ اعتبر نفسي مراقبا مهموما بالشأن العام، فقد تمنيت لو تمت الاستجابة للمبادرة، لعدة اعتبارات سياسية ووطنية بعيدة المدى، أترك تقديرها لفطنة القارئ. وعموما جرت الأمور حسبما اقتضته المقادير وتبودلت الرسائل وهدأت النفوس... وكان أمرُ الله قَدَرا مقدورا.

اليوم... هناك ثمة تأكيدٌ وإصرارٌ على الاستمرار في هذه المبادرة، إذ وقّعت مئة شخصية على «نداء الوحدة الوطنية»، بالتنسيق مع باقي القوى والجمعيات السياسية، للحصول على مزيد من التوقيعات والتأييد من قبل الشخصيات الوطنية.

هذا الحرص الشديد على لمّ الشمل والتداعي لمحاصرة الفتنة ودعاتها ومثيريها، ليس غريبا على البحرينيين، وخصوصا عند المنعطفات الحادة في مسيرة هذا الشعب.

في التاسع والعشرين من شهر مارس/آذار الماضي، تداعت الجمعيات السياسية وقوى المجتمع المدني إلى «مؤتمر الحوار الوطني الثاني»، وهي مبادرةٌ حاول بعض المشاركين الموتورين تخريبها من الداخل. ومع ذلك صدر عنها عدة توصيات، تهتم بمعالجة جذور المشاكل التي تعاني منها البحرين، ولكنها ظلت توصيات نظرية لأنها لم تجد آذانا صاغية. وهكذا بدل الاستماع لصوت العقل والحكمة، تم تشجيع أصحاب الأصوات الشاذة والناشزة، التي لا تبالي غرق البلد أم احترق. والأدهى أن البعض تصدّى للدفاع عن الخطاب التحريضي المنفلت باسم حرية النقد، وانتقد الاتجاه الرسمي نحو ترجيح كفة التهدئة والاستماع لصوت الحكمة، باعتباره تقويضا لأسس الدولة والقانون!

في فترات الاحتقان، ما أحوج البلدان إلى لغة التهدئة والعقل، مع العمل على إزالة الأسباب الحقيقية وراء استمرار حالة الاحتقانات الطائفية التي نشهد أعراضها بين فترة وأخرى، فهي التي تعيد إنتاج الكراهية في المجتمع وتعمل على تشظيته وتفتيته إلى مكونات أصغر فأصغر... وهذا ما يجب أن يحذّر منه الحريصون على دولة القانون والمؤسسات، وألاّ يساهموا في تقديم التغطية لاستمرار الأسباب الحقيقية للاحتقانات والدفاع عن محرّكيها.

آخر مقالٍ كتبه رئيس البرلمان البحريني السابق المرحوم حسن الجشي، في يونيو/ حزيران 1954، كان بعنوان «أعداء الشعب»، كشف فيه وجود أربعة أصناف: طبقة الإقطاعيين وذوي المصالح الخاصة؛ والطائفيون المندسون في صفوف الشعب في كل حي ومدينة وقرية، الذين يعكسون على ألسنتهم ما يعتمل في قلوبهم من حقد وما يتنزى فيها من فساد؛ والثالث الذين يجرون بالوشاية وترويج الإشاعات الباطلة ليحبطوا كل محاولة للم الشمل وجمع الكلمة؛ وأخيرا الفئة الدخيلة التي لا تربطها بالأرض التي تستهلك خيراتها أية وشيجة من إحساس، فبالتالي تقف موقفا سلبيا من قضايا الشعب وتناهضها سرا وعلانية.

مقالٌ عمره نصف قرن، ألا تشعرون أنه كتب قبل نصف ساعة؟ ماذا تغيّر؟ أم كُتب على هذا الشعب أن يخوض في مستنقعات الفتنة كلّ بضعة أعوام ويخوض الحروب لصالح أرباب المصالح والأموال؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً