تعرضت الحكومة الباكستانية للانتقاد لجهودها في عقد محادثات مع المجموعات المتشددة المسلّحة. في الوقت الذي تبقى فيه المخاوف قائمة بشأن إعادة تجميع الطالبان لقواتها فإنه من مصلحة أميركا الأمنية على المدى البعيد أن تمتنع عن الكلام والعمل اللذين قد يفشلا العملية. آخر دليل على ذلك الغارات الجوية المدمرة التي قتلت 11 جنديا باكستانيا في منطقة مهمند.
أطلقت الحكومة الباكستانية بعد انتخابات فبراير/ شباط الماضي العامة وبشكل فوري محادثات سلام مع المتشددين في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية والمناطق القبلية التي تدار فيدراليا.
في 21 مايو/ أيار وقعت الحكومة الحدودية بقيادة حزب عوامي الوطني العلماني صفقة سلام شامل مع المتشددين المتحالفين مع طالبان باكستان في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية. وافقت الحكومة الإقليمية على فرض الشريعة في إقليم ملاكند في المقاطعة بينما أقسم الطالبان المحليين على احترام قرار الدولة وتسليم المقاتلين الأجانب إلى الحكومة ونبذ التشدد المسلح.
على المستوى الفيدرالي تستمر المحادثات بين الحكومة والطالبان، وقد أدت إلى تبادل الأسرى وإعادة توزيع مواقع الجيش لتيسير عودة النازحين إلى الإقليم.
في الوقت الذي رحب فيه الباكستانيون بمبادرة السلام، أعربت الولايات المتحدة عن تحفظاتها. من الحاسم بالنسبة إلى الولايات المتحدة إدراك أن أولوية الحكومة الباكستانية يجب أن تكون أولا تحقيق السلام والاستقرار داخل حدودها. إذا لوحظ أن القيادة الجديدة تضع مصالح الولايات المتحدة قبل مصالحها فستعاني من مشكلات الشرعية نفسها التي واجهها مشرّف، وهذا سيفشل تحول باكستان نحو الديمقراطية ويخلق عدم الاستقرار في الدولة وفي المنطقة.
إذا فشلت المفاوضات بسبب ثورات المسلّحّين فسيدعم الباكستانيون استخدام القوة وهم يعلمون أنه قد تم استنفاذ جميع القنوات الأخرى. وسيؤدي هذا إلى ملكية شعبية أوسع للحرب ضد التطرف وهو أمر نادت به الولايات المتحدة.
تدرك الحكومة الباكستانية الحاجة لاستراتيجية إقليمية لتعزيز السلام الضعيف الذي حققته باكستان. ولكنها تؤمن كذلك بالتوجه التدريجي. فيمكن للحكومة الباكستانية، لدى إنشائها علاقة فاعلة مع الطالبان المحليين أن تعمل على تيسير المحادثات بين الناتو والطالبان الأفغان والحكومة الأفغانية.
أظهر حلفاء الناتو والحكومة الأفغانية في الشهور الأخيرة (على رغم تهديدات كرزاي الأخيرة بمهاجمة طالبان باكستان في المناطق الحدودية المدارة فيدراليا) وهنا عسكريا في الميدان وبدوا على استعداد للتفاوض مع الأعضاء الأكثر اعتدالا من الطالبان. لقد اعتمد حزب عوامي الوطني على عناصر من البشتونوالي (القانون القبلي) لمد يد التعاون إلى المتشددين البشتون، ويمكنه استخدام تقاليد مماثلة عبر الحدود. كذلك يتمتع حزب عوامي الوطني بروابط وثيقة مع حكومة كرزاي. وقد قام السنة الماضية برعاية سلام إقليمي مع الجمعية القبلية لشيوخ القبائل (الجيرغا) في كابول. يمكن لجيرغا مماثلة، هذه المرة بين قوات الناتو وفصائل الطالبان المعتدلين من كلا جانبي الحدود أن تثبت أنها خطوة فاعلة إلى الأمام.
كيف تستطيع الولايات المتحدة إذا دعم محادثات السلام وأن تحافظ كذلك على أمن مصالحها في المنطقة؟
أولا، يتوجب على الولايات المتحدة أن توقف هجمات الطائرات من دون طيار داخل الحدود الباكستانية أثناء مفاوضات السلام. ذكّرت الغارات الجوية الأخيرة في مهمند ودامادولا، والتي قتلت مدنيين وعسكريين على حد سواء، ذكّرت الباكستانيين بغارة جوية مماثلة قامت بها طائرة من دون طيار في يناير/ كانون الثاني 2006 عشية عقد اتفاقية سلام كانت ستوقّع بين قوات الحكومة والطالبان.
يُنظَر إلى هذه الغارات في الباكستان على أنها محاولات مباشرة لتخريب عملية السلام، تؤدي إلى مطالبات بالثأر ضد الولايات المتحدة وتدعو لهجمات مضادة داخل مناطق باكستان الهادئة. لا تساهم أي من هذه النتائج بشكل جيد في السلام في المنطقة.
ثانيا، يتوجب على الولايات المتحدة أن تشجع على استئناف الاجتماعات التنسيقية العالية المستوى بين باكستان والناتو وأفغانستان، والتي تأجلت آخر ثلاث اجتماعات منها بسبب التحول السياسي والمفاوضات الداخلية في باكستان.
وفي الوقت نفسه يتوجب على الولايات المتحدة أن تحث الحكومة الباكستانية على تطوير آليات رقابة مشتركة مع الذين وقعوا على السلام من طالبان بهدف ضمان الإلتزام. كذلك يجب تحديد عواقب الانتهاكات وتداعياتها.
كذلك تساهم عملية تقديم الدعم المالي بقيمة 4 مليارات دولار لخطة السلام التي تقترحها حكومة المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية بشكل جيد في العلاقات الباكستانية الأميركية.
تسعى الخطة إلى الحدّ من التشدد العسكري في المناطق الحدودية من خلال توسيع قوة الشرطة وإنشاء مؤتمرات سلام دينية إقليمية وإنشاء صندوق ريفي وإيجاد فرص عمل من خلال تطبيق مشروعات البنية الأساسية.
وأخيرا يتوجب على الولايات المتحدة أن تنادي بخطوط تواصل محسنة بين فرق التفاوض الباكستانية الفيدرالية والإقليمية التي تفتقر إلى استراتيجية مترابطة.
لقد قامت الحكومة الفيدرالية عموما باستبعاد الحكومة الإقليمية من المحادثات مع المتشددين في المناطق الحدودية المدارة فيدراليا. لذلك لا تستطيع الحكومة الإقليمية أن تحمّل أعضاء الطالبان في المناطق الحدودية المسئولية إذا جرت انتهاكات من قبل نظرائهم في الشريط القبلي. أدى ذلك بأحد المسئولين لأن يلاحظ أنه في الوقت الذي يملك فيه الطالبان نوعا من هيكل السيطرة عبر المناطق الحدودية المدارة فيدراليا والمقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، تبدو الحكومة مقسمة، الأمر الذي يعطي المتشددين قدرة أكبر.
هذا وقت حاسم لباكستان وهي تسعى لوضع استراتيجية باكستانية لمحاربة التطرف بدلا من إفشال هذا التوجه. تحسن الولايات المتحدة صنعا في دعمه بأسلوب يخدم مصالحها الأمنية البعيدة المدى في كل من باكستان والمنطقة.
*مستشارة في مشروع إعادة الإعمار ما بعد النزاع في مركز الدراسات الاستراتيجية والعالمية بواشنطن العاصمة،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2118 - الإثنين 23 يونيو 2008م الموافق 18 جمادى الآخرة 1429هـ