العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ

الجولان ومعادلة اللاحرب واللاسلام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أي حدٍ يمكن التعويل على نجاح المفاوضات السورية - الإسرائيلية بشأن الجولان والاعتراف المتبادل وفتح سفارات وممثليات في العاصمتين؟ هل الظروف تبدو مؤاتية لعقد سلام مع سورية كما ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلي المنتهية ولايته إيهود أولمرت؟ وهل الفضاءات الدولية تسمح في نهاية المطاف بانتقال المفاوضات غير المباشرة إلى المباشرة كما قال الرئيس السوري بشار الأسد؟

الرئيس السوري أوضح موقف الدولة الرسمي حين أكد أن دمشق لا تمانع في البدء بمفاوضات مباشرة بإشراف أميركي ومظلة دولية ولكنه اشترط عدم المسارعة حتى لا تسقط الحسابات في مبالغات ويُعاد الوقوع في أخطاء سابقة. سورية فاوضت تل أبيب كثيرا واستخدمت قنوات ثالثة ورابعة والتقت معها مباشرة في مؤتمرات دولية من مدريد إلى أنابوليس وحصلت توافقات متنوعة الوظائف والأغراض وانتهت كلها إلى الفشل أو الجمود بسبب عثرات بسيطة وعقبات محدودة. فالمفاوضات المباشرة وغير المباشرة ليست جديدة وهي تلونت وتعددت وتطورت وكادت أحيانا تصل إلى الشوط الأخير ثم تطرأ انعطافات تؤدي إلى التراجع والانتكاس مجددا إلى المربع صفر.

التاريخ السياسي للمفاوضات السورية - الإسرائيلية يستحق قراءة خاصة حتى يمكن التعرف إلى مواضع الخلل والأسباب التي تحول دون تطورها إلى توقيع اتفاق السلام بين الطرفين. وبسبب هذا التاريخ الذي شهد الصعود والهبوط والجمود أوضح الرئيس الأسد الملابسات حين أشار إلى وجوب التأكد من الأساسات (قواعد) التي ستبنى عليها العمارة الكبيرة. لذلك طالب في مؤتمره الصحافي الأخير بعدم التسرع بالبناء قبل الانتهاء من عمليات التأسيس حتى تكون العمارة متينة وقادرة على الصمود وتحمّل الصدمات والاهتزازات.

كلام الأسد يُفهم منه الكثير من الإشارات المتعارضة في توجهاتها وأبعادها. فهو من جانب يؤكد المفاوضات غير المباشرة ويؤيد تطورها إلى مفاوضات مباشرة. وهو من جانب يعتبر أن هناك فرصة للنجاح ولكن يجب عدم إهدارها بالتسرع. وهذا الكلام الغامض يعني الكثير لأنه يضع التفاهم مع «إسرائيل» على خط موازٍ مع التفاوض ويشترط أن تأخذ العملية وقتها حتى تتوضح كل معالم الخريطة الهندسية التي ستقام في ضوء خطوطها عمارة السلام.

المسألة إذا مسألة وقت والمبدأ هو القبول لا الرفض. والوقت الزمني الذي أشار إليه الرئيس السوري مفتوح وليس محددا بفترة لأن المهم هو القواعد الهندسية للسلام وليس السلام نفسه. وبهذا المعنى يمكن أن يأخذ التفاوض فترة زمنية ممتدة على الأسابيع والشهور والسنوات والحقبات والأجيال الآتية.

تركيز الرئيس الأسد على مسألة الوقت وضرورة التأكد من متانة القواعد الهندسية وعدم التسرع في إهدار الفرصة تشير في مجموعها إلى أن القيادة السياسية السورية غير مقتنعة بالمفاوضات وإمكان توصلها إلى اتفاق سلام وتبادل سفراء ورفع أعلام وفتح حدود وتمديد خطوط هاتف وغيرها من خطوات دبلوماسية وتجارية. وعدم القناعة لا تعني عدم وجود رغبة سورية بالسلام. الرغبة قائمة ولكنها كما يبدو غير متوافرة في المقلب الآخر من الجولان.

كلام الأسد يلمح إلى وجود شكوك سورية بعدم استعداد «إسرائيل» للتجاوب مع متطلبات السلام وفق ما تقتضيه القرارات الدولية. القرار 242 الصادر في العام 1967 يؤكد أن الجولان أرض سورية محتلة. والقرار 338 الصادر في العام 1973 الذي أوقف إطلاق النار وأعاد تأكيد هوية الجولان وضرورة الانسحاب إلى الخطوط الدولية كما نصت عليها اتفاقات الهدنة أو التي كانت قائمة في 4 يونيو/ حزيران بحسب ما جاء في القرار 242.

أين الحل

الشك السوري يفتح الآفاق على سؤال: ما هو الحل؟ إذا كانت تل أبيب غير راغبة بالسلام وليست مستعدة للانسحاب من الجولان إلى الخطوط التي كانت مرسومة قبل عدوان يونيو، وإذا كانت دمشق مقتنعة بالسلام وراغبة به ولكنها تشترط عدم التفريط بشبر من الأرض ولا تستطيع خوض مغامرة لتحريرها... يصبح الحل معلقا بين الحرب والسلام أي الذهاب مجددا إلى معادلة وسطى ما بين اللاحرب واللاسلام وهي تمديد اتفاق الهدنة فترة زمنية تضاف إلى السنوات السابقة.

مضت حتى الآن أكثر من 35 سنة على اتفاقات الهدنة (التهدئة) بين دمشق وتل أبيب برعاية أميركية مباشرة قادها وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر. ومنذ تلك الفترة تجدد الهدنة آليا من دون اختراق أو اعتراض أو محاولة للتعديل وإعادة القراءة. وخلال هذه المدة الطويلة نسبيا أعلن الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ضم الجولان رسميا إلى حدود الدولة وقرر تأسيس مستوطنات في الهضبة واعتمد موازنات للاستثمار في الزراعة والسياحة وأقام مراكز تنصت ومهابط طيران وغيرها من مشروعات للتوطين والتجنيس. كذلك اتخذ الكنيست سلسلة خطوات تشريعية اشترطت قانونيا عدم جواز الانسحاب قبل موافقة غالبية أعضاء البرلمان. وبسبب كل هذه التعديلات الميدانية يمكن فهم كلام الرئيس السوري عن أن المسألة مسألة وقت وتحتاج إلى قواعد هندسية للسلام.

الحل إذا هو اللاحل لأنه بحاجة إلى قواعد هندسية قوية. والقواعد المتينة تحتاج إلى وقت للتأسيس عليها. وبالتالي فإن الحل مؤجل وسورية تستطيع الانتظار فترة زمنية تضاف إلى العقود الثلاثة التي انصرمت من التاريخ العربي.

في المقابل تبدو «إسرائيل» غير متسرعة في خطواتها وهي بدورها تحتاج إلى مهلة زمنية للتفكير بالانسحاب من الجولان وأيضا لا تستطيع التقدم إلى الوراء من دون تفويض قانوني من الكنيست. تل أبيب تفضل من جانبها التفاوض الطويل الأمد من دون ضرورة للتوصل إلى حل. فالحل صعب من الجانبين لأنه يقوم على سلبيتين: سورية تريد الجولان سلما ومن دون الاضطرار للجوء إلى الحرب لاستعادته وتشترط أن تستعيده كاملا وغير منقوص بشبر من الأرض. و«إسرائيل» تعتبر الجولان جزءا من أراضيها ولا تريد إعادته وإذا اضطرت إلى اتخاذ الخطوة فهي تفضل أن يعاد ترسيم حدوده وخطوطه ليتناسب مع حاجاتها إلى الأمن والمياه.

المسألة إذا طويلة وتحتاج إلى تفاوض مفتوح على الزمن حتى تنجح الأطراف في تأسيس قواعد هندسية متينة للبناء عليها. وهذا يعني في لغة الإشارة الهندسية أن احتمال توصل دمشق وتل أبيب إلى اتفاق سلام غير وارد في الأمد المنظور. فالتفاوض سيبقى للتفاوض حتى تقتنع «إسرائيل» بأن الجولان ليس ملكا لها وهذا ما جدد رفضه رئيس تكتل «الليكود» بنيامين نتنياهو.

تصريح نتنياهو، المرجح فوزه بالغالبية في انتخابات فبراير/ شباط المقبل، وافق على التفاوض مع دمشق ورفض الانسحاب من الجولان ردا على كلام أولمرت الذي أبدى استعداده للسلام مع سورية. والتصريح يوضح الآفاق المنتظرة من المفاوضات. أولمرت يرأس حكومة تصريف أعمال ويودّع حياته السياسية وكلامه لا قيمة له، بينما نتنياهو يرجح أنْ يتولى تأليف الحكومة الجديدة بعد الانتهاء من عملية الانتخابات وبالتالي فإن حديثه عن رفض الانسحاب من الجولان له قيمة عملية لأنه أجهض من الآن إمكانات التوصل إلى حل قبل توليه مسئولية السلطة.

المسألة إذا ذاهبة إلى التفاوض لا على الانسحاب والسلام وإنما على تطويل اتفاقات الهدنة واللاحل. واللاحل الذي يقوم على معادلة تمديد الاحتلال مقابل اللاحرب واللاسلام يتطلب تنازلات إسرائيلية في مواضع أخرى تعوض تلك الخسائر المادية والمعنوية المفترضة. والبديل يشتمل بالضرورة على الكثير من الضمانات والحوافز التي تغلق باب الجولان وتفتح دمشق على أبواب موازية يرجح أن تتولى إدارة باراك أوباما رعايتها وترتيبها وتسويقها إقليميا ودوليا. التفاوض الجاري الآن لا يعوّل على الحل وإنما يراهن على مظلة أميركية تضبط إيقاع الهدنة مقابل هدايا وعطاءات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً