قرار مجلس الوزراء أمس تشكيل لجنة حكومية لمراقبة المنابر والصحف والمواقع الإلكترونية لمنع التجاوزات التي تمس «الوحدة الوطنية»، خطوة إيجابية في جوهرها على صعيد تحريك الواقع الوحدوي في مملكة البحرين، غير أنه كغيره من القرارات السابقة الشبيهة يحتاج إلى أمرين: تحديد الرؤية والتفعيل الملموس.
ثلاث وسائل رئيسية شكلت عناصر التأجيج في الأزمة السالفة، وربما فطنت الحكومة مبكرا لخطورتها هذه المرة؛ المنابر، الصحف، المواقع الإلكترونية التي أصبحت قادرة على اختراق النسيج الاجتماعي بعد أن أهملت وأسيء استخدامها، لهذا أصبح لازما على الحكومة إحكام قبضتها (الفعلية والمتوازنة) على هذه العناصر، وإلا تكرر انفلات الزمام كما حصل أخيرا.
المبادرات والقرارات التي تطلقها الحكومة فيما يخص الأمور الحساسة تتسم أحيانا بردة فعل آنية، وبالتالي ربما يغيب عنها التخطيط المتقن، فلا تغيّر من الواقع شيئا، وهذا ما نخشاه في قرار كبير بحجم «لجنة المراقبة». كما أن الملاحظ غالبا أن تكون مثل هذه القرارات مطاطة في تفاصيلها، فلا تدري أنها تحمل تعميما متوازنا تشمل عقوباته الجميع أم أنها موجهة ضد فئة معينة في حين تتجاهل فئات أخرى تقوم بالدور السلبي نفسه، وهذه مشكلة في حد ذاتها.
ما أكثر وسائل الاتصال الموجهة والممولة التي تستهدف تمزيق الصف البحريني، وهنا يكمن دور اللجنة الحكومية في التعامل معها بدقة، وفرز النقد البناء من التجريح الهدّام، من دون النظر إلى الانتماء الديني أو السياسي، ومعاملته على أساس الخطورة الحقيقية على السلم الاجتماعي.
أطراف المعادلة لديها الحل
كنا ومازلنا نأمل أن تكون على رأس مهمات لجنة حكومية مشابهة تنظيم فعاليات رسمية لتنضيج الواقع الوحدوي إثر التوترات التي مرت وتمر بها المملكة، وذلك عبر خلق لقاءات تواصلية وأنشطة تستهدف تذويب الحواجز والتراكمات التي خلفتها أزمات الاحتقان السياسي خلال الفترات السابقة، والتعرف على النوازع الحقيقية التي تميل بالبعض إلى التأجيج من أجل معالجتها بأفضل السبل.
باستطاعة الحكومة وبالتعاون مع الجهات الأهلية تمتين حبل الترابط الاجتماعي ووقف لغة التخوين ببرامج واقعية بعيدا عن ديكورات الندوات الإعلامية التي تقرّب من تحب وتبعّد من لا تحب، والتي لم تؤت ثمارها المرجوة على رغم موازناتها الضخمة، وفي المقابل هناك برامج نوعية أكثر فاعلية، ولا أظنني آخر من سيستشهد بتجربة الأشقاء السعوديين التي نحن في البحرين أحوج ما نكون إليها.
طبعا أنشطة التقريب لا تكفي لوحدها، بل إن التعويل الأهم خلال هذه الفترة على إشراك «أطراف المعادلة الوطنية» جميعها في حوار وطني جاد كفيل بإزالة عوائق الوحدة وتأصيل الثوابت والقيم الوطنية. فبتجاهل أحد هذه الأطراف (التي شدد على أهميتها الخطاب الملكي الأخير) وعزلها عن دائرة الحوار والقرار لن تجدي لجان مراقبة ولا برامج وحدة، والتجارب خير برهان. فمن يزايد؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2117 - الأحد 22 يونيو 2008م الموافق 17 جمادى الآخرة 1429هـ