في السنوات السابقة، شهدنا أنواعا من السرقات، سرقة سيارات وموبايلات وشنطات وعطورات... أما أحدث أنواع السرقة فهو ما شهدته الساحة الإعلامية والثقافية من سطوٍ على الكتب والمقالات!
آخر من تعرّضوا للسرقة هو الكاتب الأميركي الإيراني الأصل ولي نصر، المقيم في الولايات المتحدة، أصدر مطلع العام الماضي (2007) كتابا باسم «صحوة الشيعة»، تناول فيه التطورات التي شهدها الشرق الأوسط خلال العقد الأخير.
الكتاب لم يتعرّض إلى سرقةٍ من النوع المعتاد، أي سرقة مقتطفات أو صفحات (كوبي بيست)، بل تمّ تقديمه بصورة مفبركة إلى القارئ البحريني على انه تعليقٌ «حيٌّ» على ما جرى من أحداث في البحرين الأسبوع الماضي، وآخره مظاهرة يوم الخميس الماضي، التي نظمت بعد عشر ساعات من صدور الصحيفة المتورطة بالسرقة. فـ «الجماعة» جعلت الباحث الأكاديمي يظهر في صورة من يعلّق على مظاهرات لم تقع بعد!
«الوسط» وتحريا للحقيقة، بعثت رسالة الكترونية للكاتب ولي نصر للتأكد مما نُسب إليه من تعليقات وآراء، وذلك عند الساعة الواحدة وست دقائق من ظهر الخميس، وتلقت منه ردا بعد نصف ساعة، وتحديدا عند الساعة الواحدة و52 دقيقة، يقول فيه: «أنا لم أكن على علم بالموضوع، والصحيفة لم تتصل بي أصلا، وليس لدي أية فكرة بما سيكتبونه، وأعتقد أنه من غير المناسب مراجعة كتاب بطريقة توحي بأنه تعليق حقيقي على حوادث جارية من دون معرفة المؤلف أو إيضاح ذلك للقراء».
ولي نصر ختم رسالته الالكترونية بدرسٍ بليغ لكل السرّاق والمخادعين: (It is unfortunate)، وهذه الكلمة بالمناسبة لها ثلاث معانٍ، للقارئ أن يختار ما يراه أكثر انطباقا على واقع تلك الصحيفة: منحوس، مشئوم، أو تعيس! ولم يبدِ المؤلف أي اهتمام بالتعليق أصلا على ما يجري في البحرين هذه الأيام!
الكتاب صدر قبل عام ونصف من الآن، واستعرضته حينها بعض الصحف العربية، والبعض رأى فيه فرصة لاكتشاف ومعرفة «الشيعة»، باعتبارهم جزءا حقيقيا من شعوب المنطقة والعالم الإسلامي وليسوا مخلوقات غريبة قادمة من الفضاء، بينما رأى فيه البعض الآخر دليلا على وجود مؤامرة شيعية كبرى يجري حبكها في الظلام للقضاء على السنّة! فأنت أمام سيناريو خرافي يعطي الشيعة وهم أقلية، القدرة على السيطرة على العالم الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا!
هكذا تتحوّل البحوث الأكاديمية في الظروف المحتقنة عندما تقع في أيدي الطائفيين، إلى ما يشبه المغذّي للهواجس المرضية وتضخيم فكرة المؤامرة وتبرير الاقتتال الداخلي بين اتباع المذاهب الإسلامية. وكلما تم الإمعان في هذا الطرح ابتعدنا عن حقائق الصراع الدولي في المنطقة، واللعبة الاستعمارية القاضية بإشغال المسلمين بعضهم بعضا، لتستمر السيطرة على منابع النفط وتأمين بقاء «إسرائيل».
المؤلف آراؤه جديرة بالتأمل، وهي قابلة للأخذ أو الرد، ولكن أن يجري استغلاله لإعطاء إيحاءات لتأجيج نار الفتنة داخل البحرين، أو محاولة إدانة هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعادلة الوطنية، فهذه لعبةٌ مكشوفة. فإلى جانب اللاأخلاقية في هذا الطرح، فإنه يفتقر إلى المهنية والصدقية والشعور بالمسئولية تجاه الوطن أيضا. وكلها سماتٌ بارزةٌ تجدونها في الصحافة التعيسة و»المنحوسة» هذه الأيام!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ