اليوم (الأحد) ، يلتقي في جدة، تلبية لدعوة العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، شراة وباعة النفط إن صح القول... يلتقون بعيدا عن سماسرة النفط والجهات المضاربة التي لاتزال تتحكم إلى حد بعيد في قوانين الأسواق، ومن ثم الأسعار.
ومنذ توجيه الدعوة تحرك الطرفان في دهاليز وأروقة المؤسسات ذات العلاقة من أجل كسبها لصالح هذا الطرف أو ذاك.
أدى ذلك التحرك الهادف إلى تكتيل جماعات ضاغطة (Lobbying Groups) إلى أن يطفو على سطح خريطة العلاقات الدولية في المنطقة مجموعة من الظواهر التي سبقت هذا اللقاء، وشكلت في مجموعها عناصر مهمة في تكوين معالم المستجدات السياسية والاقتصادية التي من الطبيعي أن تمارس دورها في تحديد مسار تلك الحوارات التي يتوقع لها أن تكون في غاية السخونة.
أول تلك العناصر ما رشح من أنباء على صفحات صحيفة «نيويورك تايمز»، عن إعلان «إسرائيل» عزمها على اجراء ما يشبه المناورات التدريبية كسيناريو محتمل على الهجوم على المنشآت النووية في إيران.
وجاء الرد سريعا على تلك التهديدات الإسرائيلية، على لسان آية الله أحمد خاتمي في خطبة الجمعة الماضية التي بثتها إذاعة طهران مباشرة، ومما جاء فيها «إذا كان الأعداء وخصوصا الإسرائيليين ومؤيدوهم في الولايات المتحدة يسعون إلى اللجوء الى القوة فليكونوا واثقين بأنهم سيتلقون صفعة رهيبة».
هذا السلوك الإسرائيلي ذي التوقيت المرسوم، لا يمكن أن يكون بعيدا عن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، التي عجزت حتى الآن، لكنها لاتريد ان تكف عن المحاولة، في تأجيج الصراع مع طهران، على رغم إدراكها المسبق الانعكاس القوي المباشر الناجم عن تأجيج النزاعات في المنطقة على أسعار النفط وغليانها.
ثاني تلك العناصر مطالبة الرئيس الأميركي جورج بوش الكونغرس، قبل أيام من انعقاد لقاء جدة، بالموافقة على رفع الحظر المفروض على التنقيب عن النفط في السواحل الأميركية والمحميات الطبيعية بولاية ألاسكا لزيادة انتاج اميركا من النفط والحد من ارتفاع الاسعار، مشيرا إلى أن إزالة الحظر على التنقيب عن النفط في السواحل الاميركية سيوفر نحو 18 مليار برميل على مدار الوقت وهو ما سيقلص من الضغوط المفروضة على الاسعار. وفي الخطاب ذاته أعلن بوش انه سيقوم بايفاد وزير الطاقة صامويل بودمان الى السعودية لرئاسة وفد الولايات المتحدة في اجتماع جدة.
العامل الثالث، هو التطورات التي تشهدها جبهة النفط الأوروبية، فمن جهة هناك تهديدات الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز بقطع النفط عن أوروبا ردّا على سياستها المتوقعة تجاه المهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية بموجب القانون الذي تبناه البرلمان الأوروبي، يتفاعل هذا التهديد مع ما أفصح عنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن المفوضية الاوروبية عرضت في لقائها الأخير، الذي انعقد قبل أيام من لقاء جدة، دراسة طائفة من الاجراءات المحتملة لمعالجة مسألة أسعار النفط القياسية المرتفعة وتقديم تقرير عن نتائج دراستهم الى زعماء الاتحاد الاوروبي في اكتوبر/ تشرين الاول المقبل.
العامل الرابع، وهو في غاية الأهمية، هو إعلان رئيس منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) شكيب خليل أن «الطلب من المنظمة زيادة انتاجها لمواجهة ارتفاع اسعار النفط الخام هو امر غير منطقي وغير عقلاني».
وسأل في لهجة تهكمية: «هل سيطلب من الدول التي تنتج سيارات وحواسيب ولوحات مدرسية او مضخات غاز ان تزيد انتاجها بذريعة ان هذه الاسعار مرتفعة جدّا؟»
العامل الخامس هو موقف الدولة المضيفة التي وافقت على رفع إنتاجها من النفط، في محاولة منها للوصول إلى حل وسط، يرضي الدول المستهلكة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة من جهة، ويوفر مقدمات لنجاح اللقاء، ومن ثم زيادة حجمها السياسي.
عوامل الجذب والشد هذه تلقي بظلال الشك على احتمال أن ينتهي لقاء جدة إلى ما يشبه الحوار النظري الذي من الصعب أن يقود إلى قرارات أو اتفاقات تاريخية ذات علاقة بأسعار النفط وأسواقه. مثل هذه النتيجة بدأ في التلميح لها بعض المحللين الاقتصاديين القريبين من الصناعة النفطية وأسواقها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ