حتّى لا يضيع اتجاه البوصلة في خضم الأحداث الجارية، يجب الالتفات إلى وجود دفع نحو تأزيم الأوضاع لغايات تضرّ بالمعارضة، وربما من أخطرها خلْق صورة مُفبركة هدفها الإعلام الخارجي، توحي بأنّ الصراع ليس بين معارضة تطالب بحقوق وبين دولة تُمانع من ذلك، وإنما بين طائفتين تتنافسان من أجل السيطرة والنفوذ، إحداهما تريد الاستيلاء على ما في يد الأخرى، والأخرى تُدافع للاحتفاظ بمكتسباتها.
المتوقع أنْ تكون المعارضة ذكية حتّى لا تسمح باستغلال الخصْم لطاقتها؛ لتكون وبالا عليها، فمعروف أنّ بعض ألعاب الدفاع عن النفس تعلّم المتدرّب كيف يوّظف طاقة خصمه ضده، فإذا جاء الخصم مُندفعا نحوه، عليه أنْ يتجنب مواجهته، ثم يدفع به إلى نفس اتجاه اندفاعاته حتى يرتطم بالأرض باتحاد طاقتين، طاقته وطاقة خصمه، فتتهشم عظامه.
ولو نجحت الجهات التي تقف وراء التصريحات الاستفزازية بصناعة مثل تلك الصورة عن مطالب المعارضة على المستوى الخارجي وحدث اصطفاف طائفي، فإنّ كبار الرؤوس في المجتمع سيصبحون مجرد راحلة من الرواحل وراء قافلة الشارع وانفلاته وقيادة السفهاء له، لهذا لابدّ من التأكيد أكثر على استهداف وكشف مَنْ يقف خلف تلك الاستفزازات ويحّركها ويبش ويهش تعبيرا عن رضاه عنها، وذلك من أجل تجنيب الشارع من الفتنة المُراد تحقيقها وإفشال تصوير المطالب الوطنية الحقّة للخارج بالمطالب الطائفية.
ولا يُستبعد أنْ تكون للتصريحات المستفزّة للشارع أهداف تتعلّق بمجريات الوقت الراهن، فالشمس إذا طلعت، يُخفي ضوؤها كلّ ضوء آخر، فنحن على أبواب استحقاقات عديدة، منها البعثات وما يُثار من تمييز طائفي في توزيعها، بجانب ما يَجري لبعض السواحل من مصادرة ودفان وسيطرة عليها، وغيرها من قضايا عديدة، فهل يُراد استغفال الناس عن قضية مهمّة يُراد تمريرها هذه الأيام؟ وما هي هذه القضية؟ فتمرير قضية مهمّة يمكن تحقيقه من تحت ستار الضجّة العالية وردة الفعل المتوقعة من الشارع تجاه مثل تلك التصريحات - الفتنة.
هذا كلّه من جانب، ومن جانب آخر فإنّ هذه البيانات الاستفزازية تذكّر الناس وتدفع بهم نحو اليقين بوجود مُؤامرة ذكرها التقرير المثير خصوصا؛ لورود أسماء بعض أبطال هذه التصريحات في ذلك التقرير. وما سيعمّق الشكوك أنّ التقرير ذكر أسماء شخصيات رسمية جدا كبيرة واتهمها أنها تقف وراء أهداف ذلك التقرير الإقصائية والخطيرة، ولهذا نلحظ أنّ ردّة الفعل الأخيرة أهملت صاحب التصريحات واعتبرته مجرد مُكبّر للصوت، وركّزت على تلك الشخصيات المتنفذة واتهمتها بأنها الأصابع التي تحرّك الدمى، وأنها التي تقرر أيّ نوْعٍ من الأصوات تبثه في مكبّر الصوت.
اللعبة في نظر أغلب الشارع أصبحت مكشوفة لهم، ويتحدّث عنها الصغار فضلا عن الكبار، لهذا على الجهات المعنية أنْ تُدرك خطورة اللعبة، فالناس في مجالسها تتحدّث عمن يحرّض على مثل هذه التصريحات، والكلّ يعرف مَنْ يقف وراء تعطيل توظيف الجامعيين ومَنْ هو وراء ترقية كبار المتهمين من شخصيات التقرير المثير ومنحهم مزيدا من المناصب.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ