العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ

لبنان الطائفي في ضوء المفاوضات الإقليمية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخل لبنان أسبوعه الرابع من دون أنْ ينجح رئيس الحكومة المكلّف فؤاد السنيورة في تأليف وزارة «الوحدة الوطنية» كما نصّ «اتفاق الدوحة». فكلّ الصيغ التوليفية دخلت في متاهات طائفية واعتراضات مذهبية ومفترقات مناطقية عطلت إمكانات التوصّل إلى تشكيلة ترضي الكوكتيل (الفسيفساء) اللبناني.

الآنَ بات الرئيس المكلّف أمام استحقاقات ترتبط بالمدة الزمنية، فهو أمّا أنْ يستمر في محاولاته إلى فترة غير معلومة، وأمّا أن يعتذر عن المهمّة ويترك الأمر للكتل النيابية؛ لتختار غيره أو تعيد تكليفه.

أزمة فراغ الحكومة تشبه في جوانب منها أزمة فراغ الرئاسة، فهي في جوهرها تتصل بطبيعة النظام الطائفي وتوزيع المناصب مذهبيا بين المناطق. والأزمة في داخلها اللبناني ليست منفصلة عن فضاءات الجغرافيا الإقليمية المحيطة بالكيان الصغير. ومجموع الأزمات المتداخلة محليا وإقليميا تؤكّد على أنّ الانقسام مسأله طائفية ممتدة وبعيدة عن تلك التفسيرات السياسية التي تعطى لتغطية التجاذبات المذهبية. فجوهر الانقسام يقوم على معادلة طائفية. والانقسام الطائفي يعيد تشكيل التحالفات السياسية في ائتلافات مؤقتة تتعدل في إطار المتغيرات الإقليمية. وبما أنّ المحيط الجغرافي دخل علنا منذ فترة وجيزة في مسارات تفاوضية مع الولايات المتحدة و«إسرائيل» فإنّ احتمالات تفكيك الأزمة الوزارية ستأخذ وقتها حتى تتبلور تلك المناخات وينقشع الغبار السياسي عن الملفات.

محليا هناك التفاوض بشأن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وتحرير الأسرى وهي تجري على مستويين: الأوّل بين لبنان والأمم المتحدة تحت سقف القرار الدولي 1701. والثاني بين حزب الله و «إسرائيل» عبر القناة الألمانية.

فلسطينيا، هناك التفاوض بشأن الأسرى بين حماس وتل أبيب عبر القناة المصرية في وقت يستمر التعثر على مسار التفاوض المباشر بين السلطة الفلسطينية وحكومة إيهود أولمرت.

إقليميا، هناك التفاوض على المسار السوري - الإسرائيلي من خلال القناة التركية وإمكانات التوصّل إلى تفاهمات ستكون لها انعكاساتها على الملفين اللبناني والفلسطيني.

كذلك هناك مفاوضات مباشرة بين إيران والمجموعة الدولية بشأن البرنامج النووي وغير مباشرة بين طهران وواشنطن بشأن تقاسم النفوذ في بلاد الرافدين.

كلّ هذه التجاذبات الإقليمية ليست بعيدة في تأثيراتها عن مجرى السياسة اللبنانية التي تعتمد على روافد طائفية ومذهبية في توزيع الحصص والحقائب والمناصب. وبانتظار أنْ تتوضح معالم التفاوضات الإقليمية يرجّح أن تستمر التجاذبات اللبنانية حتى لو نجح الرئيس المكلّف في تشكيل حكومته. فالحكومة ليست الحل وإنما تمثل محطة في سكة حديد طويلة ومتعرجة يرجَّح ألا يتوقف قطارها قبل أن تتأسس اللعبة الإقليمية على قواعد سياسية تعكس صورة تحالفات ترتسم تحت سقفها خريطة «الشرق الأوسط الجديد».

خريطة جديدة

هناك خريطة سياسية لتحالفات يتوقع أنْ ترتسم ميدانيا في «الشرق الأوسط». ولبنان الصغير ليس بعيدا عن لعبة التفاوض ودور القوى الإقليمية في صوغ شخصيته المتقلبة طائفيا ومذهبيا. فالجنرال «العلماني» ميشال عون يُراهن على اشتداد الصراع السنّي - الشيعي في المنطقة واحتمال انتقاله منها إلى لبنان؛ ليحقق مشروعه الطائفي القائم على فكرة «استعادة حقوق المسيحيين». وهذا ما طرحه حديثا حين جاهرَ علنا بتقليص صلاحيات رئيس الحكومة. وأحدثت المطالبة ردة فعل سلبية من زعامات سنية محسوبة سياسيا على قوى «8 آذار» ومتحالفة مع عون ومؤيّدة للمقاومة. الرئيس عُمر كرامي انتقد الجنرال واتهمه بالطائفية. والرئيس نجيب ميقاتي حذّر الجنرال من المساس بصلاحيات رئيس الحكومة؛ لأنّها تمثل محاولة لتعديل «اتفاق الطائف». كذلك فعل الرئيس سليم الحص حين رفض اقتراحات عون واعتبرها خطوة سلبية تعطل التوازنات. وبالاتجاه نفسه ذهب النائب إسماعيل سكرية حين وضع ملاحظات نقدية على اقتراحات ليست في محلّها أو وقتها.

ردة الفعل على الجنرال من مواقع مؤيّدة لعون والمقاومة وقوى «8 آذار» تشير بوضوح إلى حساسية المعادلة اللبنانية التي تعتمد قواعد طائفية ومذهبية في تحالفاتها السياسية. ردة فعل مشابهة حصلت خلال المواجهات والمناوشات العسكرية التي وقعت في بيروت الغربية والجبل وطرابلس وعكّار والبقاع الأوسط خلال فترة التصادم التي وقعت في 7 و8 و9 مايو/ أيار الماضي. فالقوى المحسوبة على تجمع «8 آذار» والمصنفة في جبهة المقاومة والممانعة كانت الأشد استغرابا واستنكارا لما آل إليه وضع عائلات بيروت التي تعرّضت لتجاوزات مسّت أمنها وكرامتها.

آنذاك اعترض كرامي على الافتراءات كذلك ذهب ميقاتي بالاتجاه نفسه. ولم يتردد الحص في استنكار العملية العسكرية بينما طالب الداعية الإسلامي فتحي يكن الفصائل المهاجمة بالاعتذار من أهل بيروت وسحب الفتيل المتفجّر من ساحات المدينة وأزقتها.

كلّ هذه التلاوين السياسية المحلية والإقليمية محكومة لبنانيا بالمعادلة الطائفية والمذهبية التي تشكّل جوهر التحالفات القائمة حاليا والقابلة دائما للتعديل بحسب المتغيرات الجغرافية التي تحيط بالكيان الصغير. وردود فعل الزعامات السنية على تجاوز الخطوط الحمر في بيروت الغربية أو صلاحيات رئيس الحكومة تعطي فكرة إضافية عن صورة الانقسامات السياسية في لبنان. فالآليات التي تصنع السياسة محليا محكومة بسيكولوجية الطوائف، وهي تدفع القوى بالذهاب إلى مواقعها حين تشتد الضغوط ويبدأ الشارع في توليد طاقات عنيفة لا تستطيع الزعامات تفسيرها وتبريرها أو الدفاع عنها.

الطائفة في لبنان أقوى من الوطن. والدولة التي تعتمد شبكة نظام تأسس على معادلة مذهبية في توزيع الحصص والحقائب تبدو وقت الأزمات أسيرة انفعالات الشارع وما يولّده من آليات عنيفة لا تقبل بالتنازل أو التراجع عن حق أو مكسب كما هو حال صلاحيات رئيس الحكومة.

أزمة الفراغ الوزاري التي دخلت أسبوعها الرابع يرجّح أنْ تستمر حتى لو نجح الرئيس المكلّف في تشكيل حكومته. فالحكومة خطوة وليست حلا في اعتبار أنّ جوهر الأزمة يتجاوز التصنيفات السياسية ويتعدّى الحدود الجغرافية للكيان.

لبنان دخل الآنَ في طور انتقالي ينتظر النتائج التي ستسفرعنها تلك التفاوضات الجارية في أكثر من إقليم وعلى مختلف الأصعدة. فهو لا يستطيع التقدّم باتجاه الحل قبل التعرّف على مضمون التفاهمات التي يرجّح أن تتوصّل إليها الأطراف المتفاوضة محليا وإقليميا. وأيضا لا يستطيع التراجع باتجاه الاقتتال الذي كاد أنْ يفجّر الكيان لو لم تنتبه الأطراف المعنية إلى خطورة الكارثة في اللحظات الأخيرة. وبين صعوبة الحل وخطورة الاقتتال يتوقع أنْ يمر لبنان في فترة جمود بانتظار أنْ تتوضح معالم التفاهمات الإقليمية وانعكاساتها السياسية على الكيان الصغير... والانعكاسات ليست بالضرورة نسخة مكررة عن التحالفات المحلية القائمة حاليا وإنما قد ترسم على الساحة مجموعة ائتلافات طائفية ومذهبية مغايرة لذاك المشهد الذي ظهر في بلاد الأرز منذ العام 2004.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً