جاء انعقاد الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي الصيني على المستوى الوزاري بمثابة تتويج لجهود مملكة البحرين ودبلوماسيتها في تعزيز علاقاتها على المستوى الدولي وفي تأكيد رؤيتها الاستراتيجية لمكانة الصين ودورها في المجتمع العالمي وبخاصة في القرن الحادي والعشرين.
ولعل الاطلاع على أبرز ما صدر من وثائق المؤتمر يقدم للباحث بعض لمحات عما حدث وعن المفاهيم المرتبطة به، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود قصور في تلك الملاحظات، لعدم معرفة حقيقة ما دار وراء الكواليس من مساومات ومداولات، هي أمر طبيعي في التعامل بين الدول. وبناء على ذلك نقدم قراءتنا في الملاحظات التالية:
الأولى: إن بيان الدورة الثالثة كرر التأكيد على أساسيات ومبادئ التعاون والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا لا غبار عليه من ناحية المبادئ فهذا متعارف عليه ولكن يلاحظ على البيان من حيث قراءة وتحليل المضمون ما يلي:
- إنه مطول أكثر من اللازم وكان يمكن أن تدخل بعض تفصيلاته في البرامج التنفيذية والوثائق التفصيلية.
- إنه لم يأت بفكرة جديدة إبداعية كان يمكن أن تصدر عن مؤتمر المنامة وتنسب إليه ولجأ البيان للأسلوب التقليدي في سرد المواقف. ونحن ندرك أن العمل والفكرة الإبداعية ليس بالضرورة من الخصائص العربية، كما أنه ليس بالضرورة سهل تحقيقه في عمل مشترك يجمع أطرافا عديدة.
- إن البيان شابه قصور خطير من وجهة نظر المواقف المبدئية العربية، فعلى سبيل المثال لم ينتقد عمليات العقاب الجماعي للفلسطينيين، كما أنه اتخذ أسلوبا سهلا وعاما في تعرضه للمشكلة الفلسطينية، ولكن الأكثر سوءا هو خلوه من الإشارة إلى القدس لوضعها الخاص كمشكلة تواجه أخطر التحديات، وهي إحدى قضايا الحل النهائي، كما أنها من المفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية. في حين أشار البيان إلى حل قضية اللاجئين ومبادرات السلام وغيرها.
وفي مقابل ذلك حرصت الصين، على الحصول على تأكيد لجميع مواقفها الخاصة بتايوان أو عضويتها في الأمم المتحدة أو مساعيها في المحافل الدولية أو في تأكيد ودعم جهود الصين في تدعيم التطور السلمي للعلاقات عبر مضيق تايوان بل وأيضا الإشارة إلى الألعاب الأولمبية وغيرها من القضايا التي تهم الصين، وهذا أمر يحسب إيجابيا لصالح الصين التي تعتمد على الخبراء الحقيقيين في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الإعداد لمواقفها، كما يحسب للعرب لأنهم داعمون صادقون للمواقف الصينية من دون تردد، في حين أن القضايا العربية المهمة مثل القدس سقطت سهوا أو عمدا، لأن العرب لا يلجأون للخبراء ويخشون التعبير عن مواقفهم المبدئية بصراحة ووضوح.
الثانية: إن الصين كانت كريمة في مواقفها، فقد خصصت فقرة مهمة من عشرة أسطر ونصف السطر لقضية السودان ودارفور وأحد عشر سطرا لفلسطين وسطرين ونصف السطر للجولان وستة أسطر للبنان وثمانية أسطر ونصف السطر للعراق وثلاثة أسطر لجزر الإمارات وثلاثة للصومال وسبعة أسطر ونصف السطر لمنع الانتشار النووي (مع عدم الإشارة إلى أية دولة بالاسم)، وأربعة عشر سطرا ونصف السطر للإرهاب وهي أطول الفقرات على الإطلاق.
الثالثة: إنه بينما كان الجانب الصيني مستعدا بجميع فرق عمله وآلياته الرسمية وغير الرسمية، فإن الجانب العربي حصر العمل في الجانب الرسمي فقط ليس أثناء مداولات المؤتمر، بل وقبل انعقاده في فترة الاستعداد والإعداد، على رغم أن بعض مراكز الأبحاث العربية لم تتوان عن تقديم الرؤية، بل إن مركز البحرين للدراسات والبحوث أصدر عددا خاصا من مجلة «الدراسات الاستراتيجية» عن التعاون العربي الصيني تم توزيعه على جميع الوفود المشاركة وعلى الكثير من المسئولين في مملكة البحرين.
تلك ملاحظات عابرة لعلها تفيد في استكمال بعض الرؤى بشأن انعقاد الدورة الثالثة لمنتدى التعاون العربي الصيني في المنامة، ولعلها تساعد في بلورة تصورات ورؤى وأساليب عمل مستقبلية تكون أكثر جدوى للمصلحة العربية وقضاياها الرئيسية وفي مقدمتها قضية القدس.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2116 - السبت 21 يونيو 2008م الموافق 16 جمادى الآخرة 1429هـ