جاء الخطاب الملكي الأخير بعناوين عريضة تحدد ملامح ما تم الاختلاف عليه بصورة جلية من أجل توخي الحذر عند كل ما يستوجب الوقوف عنده، بغية تجنب اشتعال نار الفتنة. الأبرز في الخطاب كان تشديده على دور «الميثاق الصحافي» في إيقاف المس بأي طرف من أطراف المعادلة الوطنية. وهو المحور الأساسي في اعتقادي الذي باستطاعته وقف عجلة الفتنة لو تم التعاطي معه بشكل مدروس وصحيح.
«الصحافة» و «أطراف المعادلة» ثنائيتان مهمتان في تكوين الصورة العامة للمجتمع البحريني، تجلت خطورتهما في تأجيج نار الفتنة الأخيرة. لذلك كان تضمينهما في الخطاب بارزا.
ندرك تماما أن ما يقال من كلام فتنة على المنابر وفي المجالس والغرف المغلقة كثير جدا ولكن مفعوله ينتهي بانتهاء متحدثيه، غير أن الصحافة باعتبارها بوقا إعلاميا، مهما ادعت الحيادية والنزاهة فإن تمريرها لأي تصريح أو تقرير (تعبوي) يجعل منها جسرا لعبور ألسنة النيران إلى كل المجتمع، وهنا يكمن الخطر. ولو افترضنا حسن النية فيما يطرح عبر بعض الصحافة فإن شغف الإثارة الإعلامية لا يبرر التلاعب بمصير الوطن، وخصوصا إذا كان عبر تقارير معدّة باحترافية (استخباراتية) لا يختلف عاقلان على استهدافها لغرض ما.
كسرُ القداسة أم الوطن؟
الوطن ليس حكرا لفئة، وهناك أطراف عدة لها وزنها وثقلها الاجتماعي تقتسم المعادلة الاجتماعية في هذا البلد لا يمكن تجاهل أي منها، ولابد لكل منها أن تُحترَم (على الأقل لما تمثله من وجود جماهيري)، وبالتالي فإن وظيفة الصحافة هنا تكمن في اختيار الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه الأطراف حتى لو اضطرت إلى نقدها من دون المساس بشخصها، وهذا لعله ما يوحي إليه الخطاب الملكي. أما استماتة بعض الصحافيين في كسر ما يسمونه «قداسة الرموز» فهو ضرب من الحماقة التي لا تبقي ولا تذر. وبغض النظر عن كون هذه الاستماتة موجهة ضمن حرب نفسية معدة سلفا فإنها أثبتت مفعولا عكسيا في كل مرة يتم فيها اللجوء إليها. ثم أن الخوض في هكذا أمور يحمل دلالات أبعد من حب الوطن. وإلا ما دخلنا نحن في أن فلانا قدّس فلانا؟
الآن وبعد أن اجتازت البحرين هذا الممر الضيق بسلام وتخطت فتنة طائفية كانت وشيكة، بدا من اللازم تحديد ما ينبغي تحديده في مسميات الطائفية ومستلزمات الفتنة.
الكل يُحذّر من طأفنة الواقع البحريني، ولكن أحدا لم يستطع وضع الإصبع على الجرح، فالأمر في جوهره يحتاج إلى الخروج من واقع التنظير إلى تحريك ثقافة الوحدة عبر فعاليات رسمية وأهلية تشكل في مجملها حزام ممانعة لأية فتنة تستثار. وهذا ما يُفهم من التوجيه الملكي إلى «الارتقاء بمستوى التحاور والتخاطب الوطني». فهل نقتحم حيّز التنظير إلى الوحدة الواقعية؟ أظن ذلك.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ