العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ

«قمّة النفط» ومسئولية الدول الكبرى

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غدا تبدأ «قمّة النفط» أعمالها في جدة بدعوة رسمية من المملكة العربية السعودية وبحضور35 دولة،و25 شركة، و7 منظمات عالمية. القمّة استثنائية في طابعها الاقتصادي؛ لكونها تربط بين حاجات الدول المنتجة واقتصادات الدول المستهلكة. وبما أنّ الطاقة تشكّل مادة حيوية عالمية تعتمد عليها القوى الصناعية والبلدان النامية والفقيرة في آن لاقت الدعوة إلى عقد قمّة ردود فعل إيجابية من مختلف دول العالم. فالعالم الآنَ يحتاج إلى ابتكار آليات واقعية لاحتواء مشكلة الإنتاج وتوسّع الحاجة إلى النفط وارتفاع أسعار السلعة الحيوية في أسواق التنافس. والآليات التي تتطلع إليها دول العالم تتجاوز حدود مصالح الدول المنتجة (منظمة الأوبيك) والدول المستهلكة نظرا إلى الانعكاسات السلبية التي يمكن أنْ تظهر في الاقتصادات النامية وعجز الدول الفقيرة عن سد الفجوة بين النمو والإنفاق المالي لتعويض مشكلة ارتفاع الأسعار. لبنان مثلا خسر في سنة واحدة نحو 800 مليون دولار بسبب اضطرار خزينته المالية تغطية كلفة استيراد مشتقات الطاقة. إندونيسيا أيضا دفعت من موازنتها العامّة أكثر من 10 مليارات دولار لسد الفجوة بين الاستهلاك المحلي وارتفاع أسعار النفط. والصين أنفقت 30 مليارا لحماية المستهلك من نمو أسعار السوق. وماليزيا أنفقت 12 مليارا، والهند 9 مليارات، وكوريا الجنوبية 11 مليارا، والأرجنتين 11 مليارا، وكولومبيا 3 مليارات.

معظم دول العالم اضطرت إلى دفع المليارات من موازناتها العامّة لحماية المستهلك من ارتفاع الأسعار، الأمر الذي انعكس سلبا على استثمار الأموال في القطاعات المنتجة وهذا ما سيؤدي لاحقا إلى تراجع النمو ودخول البلدان النامية والفقيرة في اضطرابات اجتماعية وأهلية حين تصل الدول المستهلكة إلى درجة العجز عن الحماية وضبط الأسعار. الوضع الدولي خطير في حال تواصلت المشكلة من دون رقابة أو ضبط؛ لأنّ الكثير من الدول ستضطر في السنتين المقبلتين إلى التخلّي عن سياسة الحماية المالية وترك أسعار السوق تأخذ مجالها الحيوي، وهذا سيؤدّي إلى زعزعة الاستقرار وتفجير الأوضاع داخليا نتيجة نمو العجز التجاري بين الاستهلاك وفاتورة تسديد المستوردات.

ارتفاع أسعار النفط ليس المشكلة الوحيدة، كذلك ليس العامل الوحيد في التضخم والغلاء. فكلّ المواد الأوّلية (الغذائية أيضا) ترتفع أسعارها بشكل جنوني ومن دون ضابط دولي يردع تلك «الارتفاعات» التي تشكل قوّة ضغط على الاقتصادات النامية والفقيرة. فالعالم بات في وضع صعب وهناك الكثير من الدول مهددة بالانقسام أو التعرض لفوضى أهلية ناجمة عن عجز المستهلك على دفع كلفة المعاش وتنظيم حياته ضمن معادلة تمنع انزلاقه نحو الجوع.

المشكلة إذا عالمية والسلة متنوعة المصادر ولا تقتصر على مادة النفط وإنما تشمل الكثير من القطاعات الحيوية (الغذاء ومواد البناء) التي تتشكل منها مجموعة مواد لاغنى عنها لسد حاجات الناس في العصر الحديث.

قمّة دولية

دعوة السعودية لعقد «قمّة النفط» في جدة تعتبر مناسبة لفتح كلّ الملفات وربما تشكّل فرصة لكسر احتكار الدول الكبرى من خلال الكشف عن مداخل الحلول ومخارجها.

الدول الكبرى وتحديدا البلدان الصناعية الغربية والشمالية (الثرية والمستقرة) تحاول دائما التهرّب من المسئولية وتحميل البلدان النامية والفقيرة النتائج السلبية للتضخم وارتفاع الأسعار. فهذه الدول تربط الغلاء بالنفط فقط وتسقط عنه تلك الأسباب التي تتحالف ضمنا في لعبة الأسعار والتلاعب بالأسواق لرفع معدل الاستهلاك والتخزين بذريعة حماية الأمن القومي.

هذه النقطة المركزية تحتاج فعلا إلى دراسة معمّقة في قمّة جدة حتى تتوضح معالم الصورة وتنكشف الفروقات الهائلة بين استهلاك دول الشمال (أوروبا وأميركا) ودول العالم الفقيرة والنامية في القارات الثلاث (آسيا، إفريقيا وأميركا اللاتينية). وهذا التفاوت في الاستهلاك بين الدول الغنية والدول الفقيرة لمادة النفط يشكل أساس المشكلة الناجمة عن ضغط الحاجات والقدرة على الإنتاج لتلبية نمو الأسواق.

في العام 2007 بلغ استهلاك الولايات المتحدة نحو 21 مليون برميل يوميا. وهذه الكمية تعتبر الأعلى في العالم في حال أخذ التعداد السكّاني في الاعتبار. فأميركا يبلغ سكّانها أكثر من 300 مليون نسمة ويعتبر معدل استهلاكها للنفط الأوّل في العالم وهو لايزال على ارتفاع منذ عقد من الزمن، فهي كانت تستهلك في العام 1997 نحو 19 مليون برميل يوميا واستمر سوقها في التوسّع من دون حدود.

دول الاتحاد الأوروبي تحتل المرتبة الثانية في معدل الاستهلاك قياسا بالمساحة وتعداد السكّان. فالدول الأوروبية يبلغ عدد سكّانها نحو 495 مليون نسمة واستهلكت في العام 2007 نحو 21 مليون برميل يوميا بينما كان معدل استهلاكها في العام 1997 نحو 20 مليونا.

في المقابل استهلكت دول آسيا التي يشكل سكّانها 60 في المئة (4000 مليون نسمة) من تعداد العالم نحو 26 مليون برميل يوميا بعد أنْ كان معدل استهلاكها في العام 1997 أقل من 20 مليون برميل يوميا. بينما بلغ استهلاك دول القارة الإفريقية في العام 2007 نحو 3 ملايين برميل يوميا مقارنة بـ 2.5 مليون برميل قبل عشر سنوات. فالدول الإفريقية تحتل المرتبة الرابعة في استهلاك النفط بينما يبلغ مجموع سكّانها 935 مليون نسمة.

إفريقيا بشريا تضم كمية من السكّان تتجاوز وحدها مجموع الكمية البشرية التي تعيش في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. فالدول الصناعية الغنية (الشمالية) تستهلك يوميا 42 مليون برميل لسد حاجات 796 مليون نسمة بينما تستهلك الدول الإفريقية الفقيرة (الجنوب) يوميا نحو 3 ملايين برميل لسد حاجات 935 مليون نسمة. كذلك يستهلك 4 آلاف مليون نسمة في دول آسيا بما فيها الصين والهند واليابان وإندونيسيا 26 مليون برميل يوميا مقابل 42 مليونا تستهلكها دول أوروبا وأميركا.

المشكلة إذا ليست في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وإنما في دول الشمال التي تستنزف المواد الأوّلية وتستهلك خامات العالم وطاقاته. فأوروبا وأميركا الشمالية مجتمعة تشكلان قوّة استنزاف لإنتاج النفط تساويان وحدهما مجموع استهلاك دول العالم. وهذه المسألة تشكل نقطة مهمّة للبحث في مخارج ومداخل أزمة الطاقة العالمية ومعدل نموها وتضخم أسعارها. فالاستهلاك العالمي اليومي بلغ في العام 1997 نحو 62 مليون برميل يوميا وارتفع خلال عشر سنوات إلى نحو 72 مليون برميل يوميا في العام 2007. وارتفاع المعدل العالمي لاستهلاك النفط نحو 10 ملايين برميل يوميا في فترة السنوات العشر الماضية يطرح مشكلة جدية وخصوصا أنّ السبب الحقيقي لذاك التضخم لا يعود إلى نمو اقتصادات الصين والهند كما هو شائع في التحليلات والقراءات وإنما إلى اتساع رقعة السوق الاستهلاكية في دول الشمال والغرب (أوروبا والولايات المتحدة) ونمو الفجوة على حساب دول الجنوب.

«قمّة النفط» التي تبدأ أعمالها غدا في جدة تعتبر مناسبة لفتح الملفات وضبط علاقات الدول المنتجة والمستهلكة تحت سقف توازن المصالح. فالعالم يتعرض للاهتزاز وهناك ترجيحات ترشح نحو 33 دولة للسقوط في هاوية الاضطرابات الاجتماعية والأهلية. ومثل هذا الاحتمال يهدد الاستقرار الأمني ويزعزع اقتصادات الدول النامية، الأمر الذي يتطلب قراءة دولية للمشكلة في اعتبار أنّ الفقير يدفع ثمن استهلاك الغني.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً