العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ

صِدام الأضداد في سيرة نجاد

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يكشف الصحافي الإيراني كاسرا ناجي في كتابه «أحمدي نجاد... التاريخ السري لزعيم إيران الراديكالي» مدى تأثر وإعجاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بفكر الفيلسوف الإيراني الراحل أحمد فرديد الذي لطالما كرس جلّ جهده الفلسفي في المواءمة والتشبيك بين الفلسفات الفارسية الإسلامية والفلسفة الغربية من منظور الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر الذي تنسب إليه نشأة الأيديولوجيا النازية. كما عرف عن فرديد العديد من الآراء التي تبرر العنف، وتسخف من الديمقراطية الغربية ومنجزاتها الفكرية الحقوقية في مختلف المجالات، وتستمسك بتصور أن إيران الإسلامية تقف لوحدها في العالم في مواجهة القوى والمنظمات المتآمرة.

ويستشهد المؤلف بما ذكره المفكر الإيراني عبدالكريم سروش عن مدى تأثر الفيلسوف الإيراني أحمد فرديد بالفكرة التوتاليتارية لـ «الملك الفيلسوف» لدى أفلاطون وصورة وفكرة «الفوهرر» لدى هيدجر، إذ عمل فرديد على إنتاج مفهوم يمثل «القائد القوي» عبر تأثره بتلك الأفكار السابقة، وهو ما أصبح مفهوم «الولي الفقيه». كما يشير سروش إلى مناوءة فرديد وأنصاره للديمقراطية لكونها تعتمد أساسا على قوة الجماهير العادية، إذ يرى فرديد أن هذه الجماهير ليس من شأنها أن تختار أو تصوت، ولكن ينبغي لها أن تخضع للقيادة وبالتالي تنقاد فقط!

وبعدما قام المؤلف باستعراض تصريحات نجاد بإزالة الكيان الصهيوني ومحوه وإنكار المحرقة النازية التي جعلت منه محورا لانتقادات واسعة من قبل «المجتمع الدولي»، وزادت من تسليط الأنظار على البرنامج النووي الإيراني ما تسبب بقلق كبير لدى القيادات الإيرانية الكبرى وعلى رأسها المرشد الخامنئي الذي نبه إلى ضرورة عدم الوقوع في مكائد الأعداء والمتربصين، فإن المؤلف يواصل باستطراد ذكر قصة مساعي نجاد الحقيقية لتشييد تحالف مضاد للعالم الغربي وربيبته «الصهيونية» مع العديد من الرموز والقيادات النازية الجديدة المطاردة غربيا والمؤرخين الغربيين الذي يتبنون الطروحات الخاصة بإعادة قراءة ومراجعة التاريخ. ويشير المؤلف إلى سعي تلك القيادات النازية الحثيث إلى الدفاع عن الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر، ونكران حدوث المحارق النازية أساسا. ومن بين هذه القيادات النازية الجديدة ديفيد ديوك الزعيم الأسبق لمنظمة «الكوكلاس كلان» العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية، والبروفيسور الأسبق بجامعة كوبنهاغن كريستيان ليندتنر صاحب الرأي القائل بأن «اليهودية والمسيحية والإسلام لطالما شكلوا أكبر التهديد أمام تقدم الحضارة الآرية والأوروبية» إلى جانب روبرت فاريسون وجورج كادار صاحب المواقف العنصرية وشديدة المغالاة في عدائيتها تجاه الأجانب في الولايات المتحدة الأميركية، وغيرهم من قيادات نازية جديدة شكل حضورها إلى إيران والتفافها مع نجاد نوعا من المعاندة والمناكدة والاستفزاز لـ «المجتمع الدولي»، وهو ما يشكل في النهاية أكبر تهديد لإيران ومصالحها، بل وساهم لأول مرة في التاريخ الإيراني في تحقيق أكبر قدر من التوتر والتعكير بين الأقلية اليهودية والحكومة الإيرانية!

ويذكر المؤلف الدأب المستمر من قبل المسئولون الإيرانيون على تأكيد الجذر العرقي الآري المشترك بين إيران وألمانيا حين الالتقاء مع الدبلوماسيين الألمان، فالإيرانيون والألمان - بحسب المسئولين الإيرانيين - ينتمون للعرق الآري ذاته، وهو ما يتطلب في اعتقادهم كسر الجليد بين إيران وألمانيا. ويروي المؤلف قصة الرسالة الخاصة التي بعث بها الرئيس الإيراني أحمد نجاد إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذ دعا من خلالها ميركل إلى أن تنأى ببلادها عن الخضوع للابتزازات الصهيونية التاريخية، وأن تتحرر من التبعية لقوى «الحلفاء الأشرار» المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وأن تنضوي تحت لواء تحالف موحد يضم كيانين عظيمين هما إيران وألمانيا في مواجهة «الحلفاء» و «الصهاينة» والابتزاز والحصار من أجل حل مشاكل العالم!

ويشير المؤلف إلى أن التصور والفهم الساذج لدى نجاد تجاه العلاقات الدولية أودى به إلى أن يتجاهل عضوية ألمانيا في «الناتو» و «مجموعة الثمانية»، وأن ميركل نجحت في خلق علاقات قوية جدا مع الرئيس الأميركي بوش، وهو ما يبدو كما لو أن نجاد لم يستشر أي أحد بشأن هذه الرسالة قبل أن يرسلها وتلقى مكانها من التجاهل والازدراء الألماني الرسمي!

كما ينعطف المؤلف إلى تناول ثنايا وتعقيدات المشهد الإيراني الداخلي وكيف شكل وصول أحمدي نجاد تراجعا انقلابيا كبيرا عن هوامش حرية الفكر والإبداع الممنوحة في عهود الرؤساء الإيرانيين السابقين، إذ بدا وكأنما أحمدي نجاد يعد العدة لإطلاق «الثورة الثقافية الثانية» التي تستلهم نموذج «الثورة الثقافية الأولى» التي قامت بتطهير الجامعات الإيرانية من الأساتذة والطلبة من ذوي الميول والاتجاهات اليسارية والمتحررة والتقدمية وحتى المتناقضة مع خط «الثورة الإيرانية». ويتناول المؤلف قصة إجبار أربعين بروفيسور في جامعة طهران على التقاعد الإجباري إلى جانب 200 بروفيسور آخرين في الجامعات الإيرانية الأخرى، ما أدى إلى احتجاجات طلابية كبرى وواسعة استقبلت نجاد أثناء زيارته لجامعة أمير كبير بأوصاف «فاشي» و «دكتاتور»، بل وقام أحمدي نجاد بتعيين رجل الدين آية الله عباس علي زنجاني رئيسا لجامعة طهران وهو التعيين الأول من نوعه لرجل دين على رأس جامعة إيرانية في التاريخ الإيراني!

ولعل ما يثير الجدل والاستغراب ما أورده المؤلف من معلومات عن مختلف أشكال التدخل والاستفراد والهيمنة «الستالينية» التي تقوم بها الحكومة الإيرانية على مزود شبكة الإنترنت في إيران التي تمخض عنها خلال عام من وصول نجاد إلى كرسي السلطة حظر ما تجاوز الـ 10 ملايين موقع إلكتروني، وإخضاع مواقع عالمية بارزة مثل موقع موسوعة «ويكيبيديا» وموقع قناة «البي بي سي» باللغة الفارسية وموقع»iTunes» وموقع «يوتيوب» وحتى موقع «Baztab» التابع للمحافظين الإسلاميين في إيران وغيرها من مواقع إلى عملية «مراقبة» و «فلترة» متواصلة، وإرغام مزود خدمة الإنترنت في إيران على توفير خدمات الإنترنت الفردية تحت حد لا يتجاوز 128 كليوبايت من السرعة، وهو ما يؤدي عمدا إلى تعطيل عملية تحميل الأفلام والموسيقى!

كما اشتدت الرقابة على مئات المؤلفات الإيرانية التي دخلت دائرة المحظور بعدما كانت متداولة في عهد خاتمي. ومن بين الكتب الممنوعة كتاب وزير الثقافة الإيراني الأسبق في عهد خاتمي الذي اشتكى من عدم حصول كتابه على ترخيص بالنشر، بالإضافة إلى محاصرة المؤلفات الأدبية العالمية مثل روايات الأديب الروسي فيودور دوستوفسكي التي تتطلب ترخيصا، ورواية «آنا كارينينا» لتولستوي وغيرها، وهو ما دعا النخبة الإيرانية والمبدعين الإيرانيين إلى الاستنفار ضد تلك الإجراءات غير المسبوقة تاريخيا التي ستعرض البلاد على حد تعبيرهم إلى «أزمة ثقافية كبرى»!

وعلى رغم الظروف الصعبة التي تعيشها قطاعات واسعة من الشعب الإيراني في بلد يعيش فيه حوالي 40 في المئة من الإيرانيين على أقل من دولارين يوميا وتوجد هنالك نسبة كبرى من البطالة في صفوف الشباب الإيراني وتعد طهران أحد أكثر مدن العالم تلوثا بالإضافة إلى مضاعفات أزمة التضخم العالمية، فإن المؤلف يجلي سعي نجاد لتدمير إحدى أنجح التجارب الإيرانية المتمثلة في ضبط معدلات النمو السكاني، ونجاد يرى أن بلاده رغم كل ذلك قادرة على استيعاب 120 مليون إيراني لتكون بالتالي كالقوى العظمى الصاعدة بقوة مثل الصين والهند. ونجاد يرى أن إجراءات ضبط معدلات النمو السكاني التي طبقتها إيران حتى عهده إنما هي «مؤامرة إمبريالية» تفرضها دول تتمتع بمستويات نمو سكاني منخفضة، وقد أدى هذا المسعى النجادي إلى استياء كبير في الأوساط الإيرانية حتى بين «المحافظين» أنفسهم!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً