العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ

عن الرز وقوانين الذرة

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

كما يعرف كل إنسان، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا دراماتيكيا في السنوات القليلة الماضية. وساهم ارتفاع أسعار الرز مساهمة كبيرة في ارتفاع الأسعار، حيث بلغ ضعف ما كان عليه منذ بداية العام. ومع إدراكنا لذلك، فإن الأسواق المستقبلية للرز التي ندرك أنها متشعبة وهشّة تدل على أنه لا يوجد في الأفق نقص حاد في كميات الرز المتاحة.

وبالنظر إلى الاضطرابات التي أحدثتها أزمة الغذاء، وزيادة حجم التغطية الإعلامية بشأن نقص كميّات الرز والذعر السياسي الذي نشأ بسبب سياسات الرز، فإن هذه الأخبار من أسواق الرز المستقبلية تبدو مغايرة للأحداث. إن اقتصادات أسواق السلع تقدم لنا مفتاحا لحل هذا اللغز، فالكلفة الصافية لملء المستودعات تساوي نسبة الفائدة، يُضاف إلى ذلك كلفة التخزين الفعلية ناقص «المحصول الملائم».

المحصول الملائم يدفعه الطلب التحوطي للتخزين. عندما يكون المحصول التحوطي صفرا يكون السوق في حالة «تحميل كامل،» وفي هذه الحالة فإن الأسعار المستقبلية تتجاوز الأسعار الآنية، وتكون المستودعات مليئة بتلك السلع. وعلى الخلاف من ذلك، عندما يكون الطلب التحوّطي لسلعة ما عاليا تكون الأسعار الآنية قوية وتتجاوز الأسعار المستقبلية، وتكون المستودعات في مثل تلك الحالة منخفضة بأكثر من المعتاد.

في معظم البلدان، فإن إنتاج الرز والتجارة به يخضعان إلى مجموعة كبيرة من القوانين والأنظمة. الدعم الذي يُقدّم إلى مُنتجي الرز وإلى مستهلكيه دعم واسع. والتعرفة على الاستيراد والتصدير شائعة مثلما هي شائعة الكوتات الخاصة بالاستيراد والتصدير.

كثير من تلك السياسات تتأتى عن منطق تأمين الطعام، والرغبة في الاحتفاظ بجزء كبير من إنتاج الرز في الوطن. ونتيجة لذلك، فإن أسواق الرز مُجزأة وتوجد فيها فروق واسعة في الأسعار (مكيّفة في ضوء النوعية ونفقات النقل) بين البلدان.

ليس غريبا إذا أن نجد أن جزءا صغيرا نسبيا (6-7 في المئة فقط) من الإنتاج العالمي للأرز هو ما يتم تصديره.

وحتى نفهم الاختلالات، وعدم الكفاءة والأعباء الاقتصادية والمالية الناتجة عن تدخل الحكومة في إنتاج الرز في إندونيسيا والتجارة به، كل ما علينا فعله هو قراءة العدد الحالي من «نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية» التي خرجت لتوها من المطابع. هذا العدد الخاص من النشرة مكرّس لسياسات الرز الإندونيسية، وبعض من النتائج في هذا العدد يعطينا فكرة عن الموضوع:

- تُنفّذ الحكومة سياسات من شأنها رفع أسعار الرز المحلي في إندونيسيا من أجل حماية المزارعين وتخفيض نسب الفقر. هنالك مشكلة منبثقة عن سياسة الحكومة هذه ألا وهي أن النتائج الميدانية تفشل في دعم تلك النظرية. وفي الحقيقة وكما جاء في النشرة فإن أسعار الرز العالية تضر الغالبية العظمى من الإندونيسيين، ربما 80 في المئة منهم.

- تحليل مفصّل للمعلومات الخاصة بإنتاج واستهلاك الرز يدل على أن التقديرات المتعلقة بالفوائض والعجز هي تقديرات لا يُعتمد عليها. وفي الحقيقة فإنها من عدم الدقّة بحيث لا يمكن تقرير ما إذا كان هنالك فائض أم عجز. هذا أمر مثير لأن تقديرات الفوائض والعجز هي تماما الأسس التي تعتمد عليها الحكومة في تقرير حجم الاستيراد الرسمي. وبإيجاز، فإن عدم صدقية البيانات الخاصّة في الإنتاج والاستهلاك هي بكل بساطة تجعل استراتيجيات التخزين المرحلية، وغيرها من الخيارات التي يقترحها الداعون إلى التخطيط المركزي، أمرا غير ذي جدوى.

- وإذا كان كل ما تقدم ليس مثيرا للقلق بشكل كافٍ، فإن «نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية» تقدم لنا من الدلائل ما يُظهر أن تعاظم دور الديمقراطية البرلمانية في إندونيسيا زاد من القوة السياسية للمزارعين والمصنعين الزراعيين. هذه الحقيقة، جنبا إلى جنب مع اعتناق البرلمانيين للحمائية التجارية أعطت قوّة للذين يؤيدون حماية صناعة الرز.

والآن، وحيث أن الحكومات في البلدان المستهلكة للرز قرعت جرس الإنذار، فإننا نشاهد تدافعا لتقديم إجراءات أكثر تدخلا وحلول ثبت فشلها من قبل مؤيدي التخطيط المركزي، ومزيد من الصفقات التجارية التي يتم التعاقد عليها بين الحكومات.

هذا يعني محاولة معالجة المشاكل التي سببتها الاختلالات الضخمة التي أوجدها تدخل الحكومة في أسواق تجارة الرز عن طريق إدخال مزيد من الاختلالات. وإن من شأن ذلك دون شك تعظيم المشاكل الناشئة حاليا عن أزمة الرز.

إن قوانين وأنظمة الرز تسير الآن في الاتجاه الخاطئ. إنها تُعيدنا إلى قوانين الذرة البريطانية. كانت تلك القوانين قائمة على أساس تحكم حكومي شبه كامل في الزراعة البريطانية في مطلع القرن التاسع عشر.

لحسن الحظ، ذلك الكابوس أُزيل في العام 1846. لقد تم إلغاء تلك القوانين بفضل جهود ريتشارد كوبدين، وجون برايت، والرابطة المناوئة لقوانين الذرة. وأدى ذلك إلى تنمية التجارة الحرّة واستيراد الغذاء بأسعار منخفضة وإلى ارتفاع كبير في مستويات معيشة البريطانيين. ما يحتاجه الرز اليوم ليس مزيدا من التدخل الحكومي ولكن صيغة حديثة لما قامت به الرابطة المناوئة لقوانين الذرة.

* أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز، وأحد كبار الزملاء في معهد كيتو في واشنطن، وقد شغل في السابق منصب مستشار الرئيس سوهارتو العام 1998، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»

www.misbahalhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 2115 - الجمعة 20 يونيو 2008م الموافق 15 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً