انطلقت القافلة برحلها في أولى خطاها بمحمل يجمع الفن والجمال في الموسيقى والمسرح والفيديو والتشكيل والشعر، ناثرة حولها بهجة للمثقفين الذين حضروا خلال أماسي المهرجان بالباقة المتكاملة من زهور الثقافة اليانعة، التي قدمت لهم بين جدران البارح للفنون التشكيلية، طوال خمس ليالٍ تفردت كل منها بأسلوب ثقافي للتعبير عن الإبداع.
أولى محطات مهرجان القافلة الثقافية الأول كانت مع التشكيل، بحضور الوكيل المساعد لقطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة، إذ قدم الفنانان التشكيليان حامد البوسطة وعبدالشهيد خمدن عشرة أعمال تشكيلية، تميز فيها البوسطة بتوظيف خامات جديدة، قدمت أعمالا تدمج اللوحة التشكيلية بالعمل المجسم، فيما قدم خمدن لوحات تشكيلية مزجت بين الصورة والحروفية التي يتميز بها نتاجه الفني، ما أسهم في خلق تنوع متزن ما بين التشكيل الخارج عن المألوف في أعمال البوسطة، والجمالية الكلاسيكية للخط، الممتزج بالعمل التشكيلي في لوحات خمدن.
المهرجان بادرة لتجميع الألوان الثقافية تحت سقف واحد كما ذكر البوسطة، وهو صاحب المشروع والقائم على إدارته، الذي وجد أن الهدف من إقامته هو «أن يحصل الزائر على فكرة متكاملة عن الثقافة في البحرين»، مؤكدا أن العمل وجودته كانا معيار المشاركة في المهرجان، وليس الاسم أو الفئة العمرية للمشاركين.
وكانت مشاركة حامد من خلال تقديمه لخمسة أعمال بمواد مختلفة في تجربة جديدة ومتفردة يعبر عنها بالقول «حاولت أن أطرح في أعمالي المزاوجة ما بين المنحوتة واللوحة التشكيلية، والخروج عن المألوف التقليدي في الخامة والتقنية والعرض، إذ اعتمدت حصر نفسي متعمدا في لونين هما الأبيض والأسود، وقمت بالمزج بين هذين اللونين وفق تقنيات تعطي للمتأمل فيها حسا لونيا يفوق اللونين اللذين استخدمتهما، من خلال عملية توزيعهما والمزاوجة التي تعطي إحساسا باللون الذي هو في الحقيقة غير موجود».
الأعمال التي قدمها البوسطة تشكلت بواسطة عدد من أنابيب المياه البلاستيكية التي تم رصها إلى جانب بعضها كي تشكل سطحا قابلا لتقديم عمل فني. ووفق ما تحققه الأنابيب المتراصة من تماوجات، فقد استطاع حامد أن يتكيف مع هذا السطح المخلّق، ووفق خليط من المواد التي هيأته بشكل أكبر، استطاع أن يطرح على الجمهور بمحدودية اللون الذي حصر نفسه فيه عملا فنيا مجردا، لا يخلو من الابتكار والإبداع اللذين يأسران المشاهد لفترات كي يتمكن من تمحيص حقيقتهما.
«نشأت هذه الفكرة منذ فترة طويلة في مسعى لتقديم لوحات بصورة غير تقليدية، ومن خلال هذا التوجه دخلت في عمليات إضافة وحذف وتجريب، وكانت بداية هذه التجارب منذ العام 2003، ولم تعرض أمام الجمهور سوى اليوم»، هكذا يقول حامد، مضيفا «طريقة التنفيذ في الأعمال متعبة، بدءا من شراء الخامات وحتى تعليقها على الجدران، فقد استغرقت وقتا وجهدا كبيرين»، إذ لمس البوسطة القبول والاستلطاف لما قدمه، وكان له تجاوب كبير.
بمقابل الزوجية اللونية التي حصر البوسطة نفسه فيها، كان لعبدالشهيد خمدن، وهو الخطاط البحريني المتميز أسلوب مغاير تماما، إذ كانت الألوان تنساب فيها، لتعطي بريقا أخاذا، لم يخلُ من الحس الجمالي الرصين للحروفية التي كانت متشربة في اللوحات بشكل ملحوظ.
خمدن وجد أن الناس أقبلوا على المعرض، وأخذوا عنه انطباعات جميلة، وارتاحوا لفكرة مشروع مهرجان القافلة الثقافي. وفي وصفه لأعماله، قال خمدن «أعمالي عبارة عن فرقة موسيقية من العنصر النسائي، وتمازجت مع الشخوص التشكيلية الآلات الموسيقية والمفردات الخطية الحروفية»، مضيفا «يهمني الطرح في أعمال التركيز على وجود المرأة، وأنا أسعى دائما لأن تكون موجودة في الموقع، لتأكيد دورها المهم في المجتمع».
خمسة أعمال أخرى هي التي قدمها عبدالشهيد، الذي نفذها بكيفية تتماشى مع الفعاليات، لتحمل معها روح الموسيقى التي قدمت خلال المهرجان، متوازنا مع فنه في إيجاد المساحة الملائمة لخصوصية الحرف العربي وجماليته.
يقول خمدن «في معرضي السابق الذي حمل اسم طقوس قدمت مجموعة تجارب كان فيها الشعر والخط، وفيها عنصر نسائي، ولكن بالنسبة لهذا الملتقى يجب أن نستعرض كفنانين الجديد والمطور لدينا، إذ اعتاد الجمهور رؤية جمالية الخط، وقد أردت أن أكسر القاعدة لكوني خطاطا، إذ ليس من الواجب أن يظل الخطاط خطاطا فقط، بل يجب أن يستفيد من باقي المدارس الفنية ويخرج بشيء جديد، فتجد بعض اللوحات الحروفية لفنانين تشكيليين، وكذلك جميل أن يزاوج الخطاط بين التشكيل وعمله الحروفي، إلا أنه يبقى لدي هم في إبراز الخط وجماليته، ولا أقدم أي شيء على حساب ذلك»
العدد 2113 - الأربعاء 18 يونيو 2008م الموافق 13 جمادى الآخرة 1429هـ