في كتابه الصادر مؤخرا «أحمدي نجاد... التاريخ السري لزعيم إيران الراديكالي» يستعرض الصحافي الإيراني كاسرا ناجي قصة تعيين أحمدي نجاد عمدة لطهران، والتي يقف وراءها بشكل كبير تمتع نجاد بـ «عقلية الباسيج ومظهره البسيط ومهاراته وإخلاصه» كما هو يستشهد بما قاله عنه أحد كبار المسئولين الإيرانيين الذين دعموا بقوة إلى أن يتم ترشيح نجاد لهذا المنصب.
وفي حين يشير المؤلف إلى الخطوات والجهود التي اتخذها نجاد والإنجازات التي حققها سواء على صعيد القضاء على مشكلة الزحام في طهران، أو حتى عبر إدمان مغازلة «الحرس الثوري» و «الباسيج» عبر مشروعات عديدة كإعادة توزيع ودفن رفات ضحايا الحرب العراقية - الإيرانية في مختلف ميادين وجامعات إيران حتى لا يتم نسيانهم، وعبر التغاضي عن الكثير من المخالفات والتخلص من الدعاوى المرفوعة من قبل البلدية سابقا ضد مؤسسة «الحرس الثوري» والتي تقدر بمليارات الدولارات الأميركية، وقصة اعتماد نجاد على موارد بلدية طهران في سبيل دعم جماعة «عبادغران» التي أسسها مع رفاقه اليمينيين، وإهداء العديد من المشروعات الكبرى إلى مؤسسة «الحرس الثوري» بهدف توثيق العلاقة معها ومع «الباسيج» التي استثمرت انتخابيا بمحصول يفوق جميع التوقعات، حينما تم توجيه عناصر وأفراد «الحرس الثوري» و «الباسيج» وعائلاتهم للتصويت لنجاد ودعمه واستخدمت في ذلك أساليب تضليل واحتيال عديدة اعتبرت بسببها الانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة الأكثر إثارة للجدل في تاريخ «الثورة الإيرانية»، بحسب المعلومات والشهادات التفصيلية المتعددة التي وثقها المؤلف في كتابه، في الوقت الذي اعتبر فيه أحد المؤيدين والمقربين من نجاد أن انتصاره كان بمثابة «معجزة» و «تسونامي» اكتسح الخصوم «الشيطانيين» أي «الإصلاحيين»!
ويروي المؤلف قصة إرسال تقرير سري من قبل خليفة نجاد في منصب عمدة طهران وهو محمد باقر قاليباف وذلك إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وقد تضمن رصدا لمبلغ 400 مليون دولار أميركي صرفتها بلدية طهران حينما كان نجاد عمدة لها تحت بند «مصاريف طارئة» في حين قدم التقرير شرحا تفصيليا لتلك المصاريف والتي استخدمت جميعها في دعم أمور خاصة لها علاقة باحتفالات فريق نجاد الانتخابي بفوزه وغيرها، إذ اعتبر التقرير أن المخالفات والشبهات المالية المرصودة حينما كان نجاد عمدة لطهران هي الأكبر من نوعها في تاريخ بلدية طهران وتفوق مجموع جميع الشبهات والمخالفات المالية التي ارتكبت من قبل!
ويرى المؤلف أن نجاد منذ أن تولى السلطة قد أظهر اهتماما خطابيا مفرطا وعملا ميدانيا متكلفا على التمهيد لخروج «الإمام المهدي» وهو ما ميزه عن جميع الرؤساء والحكومات الإيرانية بعد «الثورة الإسلامية»، إذ بات يرى ويصارح رفاقه بأنه تم اختياره عبر عناية وقرار إلهي للتمهيد لظهور «المهدي»، وقد أشار نجاد لمرشد الثورة آية الله خامنئي أثناء أدائه القسم كرئيس لإيران بأن بقاءه في المنصب الرئاسي ليس إلا أمرا مؤقتا جدا حيث إنه سيسلم السلطة والصلاحية والقوة لـ «الإمام المهدي» حال ظهوره، فرد عليه خامنئي ممازحا «ماذا لو لم يظهر المهدي» حينها؟ فأجابه نجاد «أؤكد لك أن المهدي سيظهر قريبا وأنا مؤمن بذلك»، كما أشار نجاد في خطاب وجهه للأمة الإيرانية إلى أن «المهمة الرئيسية لثورتنا هي التمهيد لخروج الإمام المهدي، فاليوم ينبغي علينا أن نحدد ونضع سياساتنا الاقتصادية والثقافية والسياسية استنادا إلى عودته».
وخلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 قال نجاد: «إن المشكلات التي تواجه إيران تدل على أن ظهور المهدي سيكون خلال سنتين»، وكثيرا ما ينبه نجاد إلى أن ما يتخذه من قرارات في مختلف المناسبات إنما هو صادر من مساعدة إلهية، وأشار المؤلف إلى خبر انتشر في الأوساط العامة عن اجتماع نجاد الأول مع الوزراء والذي كان من بين أجندته التخطيط لعودة «الإمام المهدي» حيث دار حينها جدال حول ضرورة الاهتمام بالسياحة الدينية وبناء العديد من الفنادق لاستقبال طفرة الحجاج إلى إيران والتي ستحدث دون شك حال عودة «الإمام المهدي» وكيف سيتم وضع موازنة لذلك إلا أنه قد تم في النهاية رفض هذا الاقتراح ببناء الفنادق الجديدة!
وفي جولة له بكرمان أشار نجاد إلى أن قوى الاستكبار العالمي ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها يخططون ويعملون جليا على عرقلة ظهور «الإمام المهدي»، حيث أقر بأن لديه معلومات بأن القوات الأميركية استدعت عددا من كبار رجال الدين في العراق للتحقيق معهم بشأن ملابسات ظهور المهدي وللاستفسار عن من لديه اتصال به، ومن خلال لقائه مع عدد من كبار المراجع في قم أخبرهم نجاد بأنه وأثناء إلقائه لخطابه في مقر الأمم المتحدة أحس بوجود هالة نورانية تطوقه وقد أخبره أحد الحاضرين بذلك، كما أن هذه الهالة النورانية جذبت الرؤساء والوفود الحاضرين وأذهلتهم وأعاقتهم عن الحركة حتى نهاية الخطاب عسى أن يستمعوا لـ «رسالة الجمهورية الإسلامية»، إلا أن ردة فعل المرجع الأعلى في قم كانت صادمة له حيث اقترح عليه أن يركز جهوده على تحقيق وعوده الانتخابية للإيرانيين بدلا من الانشغال بمثل هذه الأمور ولكأنما يدرك المرجع محاولة نجاد التسلل والتغلغل إلى قلب محيطه فأوقفها كما فسر ذلك المؤلف!
ويشير المؤلف إلى مدى تأثر نجاد البالغ بالمواقف والآراء المتشددة جدا حتى بالنسبة إلى رجال الدين المحافظين في إيران والتي يتبناها آية الله محمد تقي مصباح يزدي مدير معهد الإمام الخميني للتعليم والبحث في قم، وهو بمثابة مستشار نجاد الروحي الرئيسي وله دور رئيسي في تعيين الكثير من كبار المسئولين في الدولة عبر سلطة نجاد، ومن أقوال مصباح يزدي الشهيرة «إننا قررنا وبصدد بحث وإثبات أن العنف هو في قلب الإسلام» و «ينبغي علينا أن نمسح تلك اللطخة المخزية التي أحدثها من بات يرى أنه لا مكان للعنف في الإسلام»، كما أنه ينتقد «الإصلاحيين» في إيران بقوله «إن ما يسمى بالإصلاح في عصرنا الحالي إن هو في الحقيقة إلا فساد. إن ما ما تم ترويجها بصفتها إصلاحات على طريق الأنبياء هي في الحقيقة على تضاد تام مع أهداف الأنبياء». ويرى مصباح يزدي ضرورة أن يخضع جميع الأساتذة الأكاديميين في الجامعة إلى تعليم وتدريب من قبل رجال الدين أكانوا ليبراليين أو إصلاحيين فهؤلاء البروفسورات بمثابة أدوات غربية لإضعاف الشباب الإيراني!
ويستعرض المؤلف قصة سلسلة من جرائم القتل البالغة العنف السادي والوحشية التي ارتكبت في مدينة كرمان الإيرانية في 2002 من قبل ستة متطوعين من ميليشيا «الباسيج» حيث قاموا بقتل ثلاثة رجال وامرأتين من أصل 18 ضحية تم رصدها، حيث قاموا في إحدى الجرائم بإلقاء رجل في قناة وقاموا بضرب رأسه بحجر كبير باستمرار ومن ثم دفنه حيا، وفي جريمة أخرى تم إلقاء ضحايا آخرين في بركة والوقوف عليهم حتى تم إغراقهم تماما وألقيت من بعدها جثثهم في الصحراء لتأكلها الحيوانات الضارية، وقد دافع القتلة عن أنفسهم أمام المحكمة بحجة أنهم يطبقون الحكم الشرعي على هؤلاء ويستشهدون ويسترشدون في ذلك بآية الله محمد تقي مصباح يزدي الذي تلقوا منه النصح والإرشاد حيث أخبرهم بأن هدر الدم لا يكون تجاه الفعل الآثم إلا بعد توجيه إنذارين للمذنب فإن رفضها يستباح دمه بعدها!
وبعد طول مماطلات وتدوير للقضية في مختلف المحاكم الإيرانية وبعد خضوع لضغوط عليا تمت تبرئة القتلة من تهمة القتل، فإحدى المحاكم رأت أنه مع اعتبار أن الضحايا هم من مهدوري الدم فإنه ليس فقط أمر قانوني وإنما أمر مستقيم، على رغم اتضاح أن الضحيتين كانتا في طريقهما للبحث عن منزل لتستأجراه بعد زواجهما حيث تم قتلهما والتنكيل بهما كما دفع بذلك، وهو ما أثار في حينه موجة غضب عارمة من قبل ذوي الضحيتين
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 2113 - الأربعاء 18 يونيو 2008م الموافق 13 جمادى الآخرة 1429هـ