يمكن للعاملين في مؤسسة الإنترنت هذه، الجالسين يأكلون حلوى الدونت ويحللون رموز الحاسوب، أن يكونوا يعقدون اجتماعهم الأسبوعي في الغرفة نفسها وليس على جانبي الصدع الإسرائيلي الفلسطيني.
بدلا من ذلك فهم يتبادلون الأفكار عبر الشاشات المنبسطة وتُبَث صورهم عبر روابط الاجتماع المرئي عن بعد التي تربط المكتبين، الأول في الضفة الغربية والثاني في «إسرائيل»، في أول مغامرة تكنولوجية من نوعها بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
«ابدأ بالأجزاء المتفائلة يا مصطفى»، يقول جلعاد باران نيساني، وهو إسرائيلي ونائب الرئيس للبحوث والتطوير في (G.ho.st) مداعبا زميله الفلسطيني الذي يقدّم تقريرا عن تقدم العمل. يضحك الحضور في كلا غرفتي الاجتماعات.
G.ho.st، والتي تلفظ «غوست (الشبح) مختصر لـ «نظام الإدارة المستضاف عالميا» Global Hosted Operating System. ليس هدف البرنامج عظيما كالسلام مثلا، رغم أن مؤسسيه وموظفيه يأملون أن يشجعوا السلام، وإنما إيجاد حاسوب ظاهري حر على الإنترنت يستطيع المستخدمون من خلاله الوصول إلى ملفاتهم ووثائقهم من أي جهاز حاسوب له ربط مع الإنترنت، بشكل ليس بعيدا عن أسلوب الحصول على رسائل البريد الإلكتروني عن الإنترنت.
«لا توجد جدران»، يقول مدير التسويق في الشركة رامي عبدالهادي الفلسطيني، مستشهدا بغبطة وسرور بشعار الشركة ومشيرا إلى منتجاتها. «إنها تعبر جدار الفصل لتصل إلى مضمون الجهاز عبر الإنترنت».
«تعبر الأشباح الجدران» يقول زفي شرايبر، المدير التنفيذي الإسرائيلي المولود في بريطانيا، مستخدما المجاز إلى مسافة أبعد. يستبدل شعار الشركة بأسلوب فكاهي النقاط في الشعار الإلكتروني URL بعيون مستديرة كارتونية كعيون الشبح. الخطة هي البدء باختبار للموقع في أكتوبر/ تشرين الأول.
المكتب الفلسطيني الموجود في رام الله، ويعمل به خمسة وثلاثون من مطوري البرمجيات، مسئول عن معظم أعمال البحوث والتطوير. يعمل فريق إسرائيلي أصغر حجما على بعد 21 كيلومترا (13 ميلا) في مدينة مودعين الإسرائيلية الوسطية.
تقطع مجموعة من نقاط التفتيش والحواجز أوصال الطريق الممتد بين المدينتين، إضافة إلى أبراج المراقبة والحواجز المصنوعة من الأسيجة والأسلاك الشائكة، والجدران الأسمنتية المرتفعة في بعض الحالات، قامت «إسرائيل» ببنائها بهدف معلن هو منع دخول المفجرين الانتحاريين الفلسطينيين.
يحتاج الموظفون الفلسطينيون إلى تصاريح من الجيش الإسرائيلي لدخول «إسرائيل» وحضور المؤتمرات في مودعين، ويمنع الإسرائيليون من دخول المدن الفلسطينية من قبل حكومتهم.
وعندما لا يمكن الحصول على تصاريح بينما يتوجب عقد اجتماعات شخصية، يلتقي الزملاء في مقهى عتيق على طريق صحراوي تعبره أحيانا الجمال والرعاة من البدو قرب أريحا، وهي منطقة يمكن للطرفين الوصول إليها بشكل قانوني.
يقول شرايبر، وهو صاحب أعمال ريادي يعتبر G.ho.st ثالث مشروع يبدأه، حيث باع ثاني مشروع وهو شركة برمجيات لإدارة بيانات المؤسسات اسمها Unicorn Solutions لشركة IBM، وكذلك شركته واسمها Tradeum وتتعامل في مجال التبادلات التجارية الإلكترونية بمبلغ 550 مليون دولار، يقول إنه أراد إنشاء G.ho.st بعد أن رأى قوى التطبيقات التفاعلية على الإنترنت. أيقن أن الوقت قد حان لدمج طموحاته التكنولوجية والتجارية مع طموحاته الاجتماعية لإنشاء هذا النشاط التجاري مع الفلسطينيين.
بدأت الشركة تخلق جوا من النشاط. مجلة Red Herring التكنولوجية صنفتها كواحدة من أفضل الشركات المائة المبتدئة في أوروبا العام 2008.
«شعرت أن الهدف النهائي هو إعطاء كل إنسان بيئة حاسوب حرة غير مرتبطة بأية أداة حاسوب فعلية وإنما يمكن الوصول إليها من الإنترنت»، يقول شرايبر. الفكرة هي إيجاد عنوان واحد لجميع ملفات المستخدِم على الشبكة وحفظها على شكل حاسوب شخصي ظاهري يمكن الوصول إليه من أي باحث على الشبكة، في البيت أو المكتب أو مقهى الإنترنت.
لا تقوم الشركة بإيجاد برمجيات خاصة بها على الإنترنت وإنما تدخل إلى التطبيقات البرمجية لأطراف ثالثة، مثل Google Docs وZoho وThinkfree، وتدمجها عبر برمجيات أخرى على الشبكة، مثل YouTube وFlicker، في نظام حوسبة واحد على الشبكة. هناك نظام مواجهة مفتوح للآخرين لإضافة البرامج.
كما أن للعملية مكونا خيريا هو مؤسسة سلام تهدف إلى جسر الهوة الرقمية في رام الله وفي البلدات اليهودية العربية المشتركة في «إسرائيل» من خلال مراكز حاسوب مجتمعية. ترأس المنظمة نوا روثمان وهي حفيدة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين.
«إنها المرة الأولى التي أقابل فيها فلسطينيين من جيلي وجها لوجه»، تقول روثمان عن عملها في G.ho.st. «هذا يثبت كيف يمكن للقاء على مستوى شخصي أن يحقق أمورا كثيرة».
موازنة الشركة زهيدة نسبيا هي 2.5 مليون دولار. استخدام الفلسطينيين يعني الاستفادة بصورة أبعد من الأموال المتوافرة. رواتب المبرمجين الفلسطينيين هي ثلث تلك الرواتب في «إسرائيل».
يصر شرايبر، الذي انضم في البداية مع رجل الأعمال الفلسطيني طارق معايعة لفتح مكتب رام الله، أن شراكتهم ليست مثالا على تصدير العمل إلى الخارج للحصول على ظروف مالية أفضل.
«نحن فريق واحد، نعمل لشركة واحدة ولكل منا أسهم في الشركة»، يقول شرايبر.
تعني فرص الحصول على الخبرة في إيجاد منتج للسوق العالمية، وهو أمر يحصل للمرة الأولى في مجتمع تكنولوجيا المعلومات الفلسطيني الصغير، أنه يمكن للسياسة أن تأخذ مكانا ثانويا بالنسبة للأعمال، حسب قول يوسف غندور، وهو مدير المشروع.
تجعل التوترات السياسية القيام بأعمال تجارية مع الإسرائيليين أمرا غير محبوب إلى درجة ما، حسب قول رئيس جمعية تكنولوجيا المعلومات الفلسطينية علاء علاء الدين.
لم تكن فكرة المشاريع المشتركة في مجال التكنولوجيا معروفة إلى أن أتت G.ho.st وفتحت الباب.
تقوم مجموعة صغيرة من شركات تكنولوجيا المعلومات ببعض الأعمال لشركات إسرائيلية، ولكن معظم هذه الشركات تركز على السوق المحلية أو سوق الشرق الأوسط. «من الأكثر سهولة الحصول على الخدمات من الخارج مقارنة بالشراكة» يقول علاء الدين: «المشروع المشترك التزام بعيد الأمد وتحتاج لطرفين لتصبح واثقا بأن هذا النوع من الاتفاق سينجح ولتكون جاهزا لبذل المزيد من الجهد».
يعمل الرابط بالفيديو بشكل متواصل بين المكتبين. يشير برمجيان فلسطينيان يتحدثان في غرفة الاجتماعات برام الله بالتحية لزملائهم الإسرائيليين المجتمعين أمام جهاز كمبيوتر صغير في مكتب مودعين. يقول شرايبر: «نحن نحقق شيئا عبر الثقافات وعبر طرفين في نزاع صعب. كنت على استعداد لاحتمالات أن يكون الأمر صعبا ولكنه لم يكن كذلك».
* كاتبة تنشر في «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2113 - الأربعاء 18 يونيو 2008م الموافق 13 جمادى الآخرة 1429هـ