تؤدي الصدمة إلى العنف. نحن نعرف ذلك بناء على بحوث، ويمكن لتطبيق هذه المعرفة أن يساهم في حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
تعاني سمعة كل من الإسرائيليين والفلسطينيين من صدمة مزمنة. يشعر الإسرائيليون وكأنهم يعيشون المحرقة مع كل هجمة. وقد جرى تعزيز هذا الشعور بخمسة حروب، ودعاية سياسية معادية للسامية في العالم العربي، وتهديدات بالإفناء من قبل إيران. يعاني الفلسطينيون من صدمة اضطرارهم لإثبات هويتهم كفلسطينيين أمام إنكار عربي ويهودي بوجود هذه الهوية. وهم يعانون من انعدام الحكم الذاتي والمياه، ومن فشل اقتصادي ومشكلات لاجئين واحتلال.
ليست هذه الصدمات أمورا يمكن تجاهلها أو غير ضارة، فهي تقع في وسط جذور ما يديم هذا النزاع، ويتوجب على الزعماء الخارجيين والمحليين أن يشجعوا عملية الشفاء في كل من المجتمعين حتى يتسنى مساعدتهما على استعادة التنظيم الذاتي والتحرر من اليأس والشعور بالعجز والغضب وانعدام الثقة والحقد، ووضع الأساس العاطفي الضروري للحوار الفاعل.يضخّم كل حادث جديد ويطلق دائرة العنف في المنطقة. ينتج عن التجارب السلبية صدمات تُمرر عبر الأجيال، وهو ما يسمى بدوامة الصدمة الجماعية، التي تؤثر على الطروحات الجماعية فتعمّق المخاوف وتوجد شعورا باقيا بكون الإنسان ضحية، وبالعداوة. الأهم من ذلك كله أن دوامة الصدمة الجماعية تثير ردودا تلقائية وليست ردودا مدروسة.
يبقى النظام العصبي الجماعي الفلسطيني متنبها بسبب وسائل الإعلام والعنف الداخلي بين الفصائل أو المجموعات والمفجّرين الانتحاريين الذين يُستخدَمون كأسلحة ضد الإسرائيليين والسيطرة المتصاعدة من قبل الجيش الإسرائيلي. تشجعهم وسائل الإعلام على تركيز طاقتهم بكاملها على المعاناة، فيقعون فريسة للشعارات الملتهبة، بينما ينقاد البعض إلى العنف ودمار مجتمعهم.
يعتبر الضغط واليأس كذلك جزءا من النفسية الإسرائيلية، الممزقة نتيجة الحاجة للدفاع عن نفسها، والمرفوضة في الوقت نفسه بسبب احتلالها للفلسطينيين. يتم استقطاب المجموعات الاجتماعية ضد بعضها بعضا داخل المجتمع الإسرائيلي، ويتم شحن التطرف بمجموعات صغيرة على جانبي الطيف السياسي.
لقد حوّل النزاع كلا من الطرفين من ضحية إلى متسبب بالضحية. يشعر كلا الطرفين أحيانا وكأن الوضع السياسي قد وصل نقطة الجمود، حيث إن التوجهات السياسية نحو النزاع فشلت حتى الآن في التعامل مع الأسباب الجذرية للعنف. يمكن للمجتمع الدولي المرتبك، وتوجهاته أن تستفيد من كونها أكثر تناغما مع تجربة الصدمة الجماعية للإسرائيليين والفلسطينيين. وفي واقع الأمر، معظم المنخرطين في النزاع ليسوا على علم بمدى تأثير معاناتهم من الصدمة على سلوكهم، ويحتاجون المساعدة كذلك في إدراك الصدمة في الآخر.
يمكن لتقييم المؤشرات أن يساعد على قياس درجة الصدمة في أي من المجموعتين، وأن ينبههم على الحاجة إلى الشفاء. وتضم نواحي النزاع التي لم تساعد إلا على إفشال العملية السلمية، مشاعر بالفوقية الدينية، وتعليق التفكير النقدي، وإطلاق الصفات على «الآخر» وإلقاء اللائمة عليه وإضفاء الشيطانية عليه، والتطهير العرقي للآخر من وسطهم، وتشويه صورة طروحات الصدمة، والإيمان بأن الطرف الذي ينتمي إليه الشخص بريء بشكل كامل، وإعلاما مكبوتا، وعنفا مقصودا ضد المدنيين لاستعادة السيطرة، وتربية الأطفال وإنشاءهم في الحقد.
يمكن لمجالات الصحة النفسية والطبية والتعليمية، ورجال الدين والإعلام والدبلوماسيين والمنظمات غير الحكومية والزعماء السياسيين المحليين والعالميين جميعا أن يساعدوا على التخفيف من نتائج الصدمة الجماعية من خلال إدخال أدوات ابتكارية لتنظيم الذات. من خلال استخدام لغة غير سياسية للتعامل مع خراب هذه الصدمة، تستطيع هذه المجموعات أن تساعد جميع الأطراف في الإعداد لسلام دائم.
تجعلنا طروحات الصدمة نركز على صدمتنا ونظهر بمظهر من يبرئ نفسه من أي مسئولية. لذا يحتاج القادة في المجتمع المدني والحكومة أن يقوموا بدورهم في تعريف هذه التشوهات الضارة من خلال إضفاء الشرعية على معاناة الجميع، وإدانة الأساليب الهدّامة التي تعبر عنها، ومواجهة المجموعات المصدومة بالحقائق التاريخية.
يحتاج الإسرائيليون والفلسطينيون لأن يُسألوا إذا كانت أعمالهم: تعطيهم أمانا حقيقيا، واستقلالية حقيقية، وإذا كانت تدعم احترامهم الذاتي وتلهم الاحترام في الآخرين، وتجعلهم يشعرون بأنهم ذوو كفاءة، وتعطي معنى لحياتهم وثقافتهم دون إفساد حاجات الآخرين (تشير عملية تحقيق احتياجاتنا على حساب احتياجات الآخرين إلى وجود عملية سحب من دوامة الصدمة، وتتنبأ باستدامة صدمة الإنسان ومزيد من التسبب بكونه ضحية)، ومساعدتهم على الشعور بالثقة وإمكانية الثقة بهم، وتشجيع التفاهم عبر الثقافات، وإلهام التعاطف والرغبة في إضفاء الشرعية على معاناتهم.
تدعو الصدمة، والأعمال التي تنتج عنها إلى صدق ذاتي عميق. كما يجب طرح الأسئلة نفسها على كل القوى الخارجية ذات العلاقة.
إن البدء بالاعتراف بالقوى غير المعترف بها في هذا النزاع، الأجنبية والمحلية والداخلية والخارجية، النفسية وغير النفسية، لهو خطوة إيجابية إلى الأمام.
* مؤسِسة ورئيسة للمعهد العالمي للشفاء من الصدمة في الولايات المتحدة ومؤسِسة مشاركة لمركز الصدمة الإسرائيلي في القدس. وهي متخصصة في مجال الصدمة وقد شاركت في هذا المجال منذ العام 1990، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ