الإحصائية التي نشرتها بعض الصحف المحلية تقول إن 168 من أصل 230 موظفا في مجلس النواب هم من المنتمين إلى جمعيتي «الأصالة» و «المنبر»؛ مما يمثّل نسبة 73 في المئة من العدد الإجمالي للموظفين.

القضية هنا ليست طائفية ولا مذهبية، وإنّما هي قضية فسادٍ وتلاعبٍ بالسلطة واستهتارٍ بالرأي العام. فقضايا التعيينات والترقيات والبعثات في القطاعات الحكومية يجب أن تخضع لمعاييرَ وطنيةٍ شفافةٍ وواضحةٍ، ولم تكن لتطرح بهذا الإلحاح لولا أن الماء زاد على الطحين.

ومن الاستهتار أيضا القول إن «من يتحدث عن (التمييز) بالمقارنة العددية فإنه يرفع كلمة حق يُراد بها باطل»! فنحن لا نعيش في مدينةٍ فاضلةٍ، وإنما في بلدٍ مريضٍ بأبشع فيروسات الطائفية، ولا يمكن تجميل «الحالة البحرينية» باتهاماتٍ مرسلةٍ بمثل هذا الرخص والهوان. فالتمييز تمييز، ونتيجته أن يكون هناك مستفيدون ومتضررون، ومن حق المتضرّر أن يجأر بالشكوى حتى يعتدل ميزان العدل والمساواة.

هناك جمعيتان مستفيدتان يقينا من خطيئة «التمييز» وصفقات توزيع المناصب العامة على الأنصار، إلاّ أن الكلام لا يكتمل إلاّ بالحديث عن السياسة التي فتحت الباب أمامهما نحو «التمكين». فهناك معادلة «خذ وهات» تحكم الوضع، ومصالح مدفوعة مقابل «الولاء» تستفيد منها دوائر حزبية ضيقة، على حساب بقية الأطراف والجمعيات والتيارات السياسية والشخصيات الوطنية والكفاءات، ولا يمكن اختزال شعب البحرين في جمعيتين دينيتين دخلتا عالم السياسة منذ ست سنوات.

ليست هذه دعوة للمحاصصة ولا توزيع مؤسسات الدولة كقطع الكعك أو غنائم الحرب، وإنّما هي دعوةٌ صريحةٌ لأن تكون الوظائف والترقيات والبعثات مفتوحة لجميع المواطنين وفق قواعد الإنصاف والمساواة، والاعتماد على الكفاءة العملية والقدرات. وما دون ذلك فسادٌ وظلمٌ لا يمكن تبريره باتهام منتقديه بالفسوق والعصيان. فالأخبار تتحدّث عن مشادات كلامية وخلافات، ودخول أحد المتضرّرين (غير الحزبيين) غرفة الإنعاش قبل يومين. من هنا يظهر من يريد أن يحرّف الموضوع إلى اصطفاف طائفي جديد.

موضوع الإقصاء والتمييز ليس جديدا، ولم يعد هذا المنهج مقتصرا على وزارتي الداخلية والدفاع، حتى الجمارك والسجل السكاني والجوازات، ولكن ما جرى في الأمانة العامة تحديدا فاحت رائحته، بحيث لم يعد ضرره مقتصرا على فئة دون أخرى، وإنما أصاب دائرة الشخصيات غير الحزبية القادمة من رحم الغالبية الصامتة. ولم يكن غريبا أن يتهم أحد من جرى تمكينهم الأطراف التي انتقدت اللعبة باستغلال المصحف الشريف: «إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة» (الحجرات: 6)، فالجهالة هي التي تدعو إلى الاستهتار بالكفاءات والتأسيس للفساد بتمكين الجماعات الفئوية وإقصاء الآخرين.

إن من الجهالة أيضا أن تجري عملية التوظيف سرا دون إعلان في الصحف عن الشواغر، بحيث تسيطر جمعيتان أثيرتان لدى الحكم بثلاثة أرباع الكعكة، ويترك الربع الآخر لبقية فئات الشعب، غالبيتهم في وظائف دنيا في قسم الخدمات، وأن يكون سبعة من بين ثمانية مديرين، و16 من مجموع 20 رئيسا، وجميع موظفي الحاسوب والأمن من أتباع الجمعيتين.

افتحوا أبواب الوطن لأبناء الوطن كافة دون إقصاءٍ أو تمييز، واتقوا الله في هذا البلد الذي تقودونه كالبقرة إلى مقصلة المحاصصة والتفتيت.