العدد 2112 - الثلثاء 17 يونيو 2008م الموافق 12 جمادى الآخرة 1429هـ

التبرعات الخيرية... أميركا مثالا

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

أعجبتني مقولة لأرسطو تقول «ان تتبرع ببعض المال شيء سهل وفي متناول أي شخص ولكن أن تقرر لمن تعطيه وكم من المال تعطي... ومتى... ولأي غرض... وكيف... فإن ذلك ليس في مقدور أي شخص وليس أمرا سهلا».

في البحرين وحتى في معظم الدول العربية لا توجد معلومات كافية أو إحصائيات عن تبرعات المحسنين أو «سلوكهم» في التبرع، ولهذا فإنني سأستخدم أميركا كمثال في هذا المقال لعل وعسى أن نستفيد من نظرة بعض الأميركيين الطيبة للتبرع والإحسان عموما.

تقول آخر إحصائية نشرت العام الماضي في أميركا، إن قيمة التبرعات الخيرية الأميركية في العام 2006م وصلت إلى 300 مليار دولار سنويا (أي 114 مليار دينار بحريني) بزيادة قدرها 4 في المئة عن العام 2005م. يأتي ثلثا هذه التبرعات من 20 في المئة من أغنى العائلات الأميركية.

العائلات الأميركية التي تملك 50 مليون دولار (19 مليون دينار بحريني) فما فوق تتبرع بما مقداره مليون دولار سنويا (380 ألف دينار بحريني). العائلات التي يصل دخلها السنوي إلى 200 ألف دولار (76 ألف دينار بحريني) فأكثر تتبرع بما يقارب 7.4 في المئة من هذا الدخل للأعمال الخيرية. أغلبية المتبرعين تكون نسبة تبرعاتهم بين 5 و10 في المئة من دخلهم السنوي.

هذه التبرعات تمثل 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للولايات المتحدة الأميركية.

في العام 2006، قرأنا عن أكبر تبرع في التاريخ من قبل الأميركي وارن بفيت بمقدار 43.5 مليار دولار (16.5 مليار دينار بحريني) لعدد من المؤسسات الخيرية الخاصة، أعطى من هذا المبلغ 31 مليار دولار لمؤسسة بيل جيتس الخيرية وحدها.

كما أنه في العام 2001 أي بعد حادث 11 سبتمبر/ أيلول في نيويورك، وصلت تبرعات الأميركيين إلى أكثر من مليار دولار (380 مليون دينار بحريني). وبعد أن أنشئ صندوق 11 سبتمبر الخيري وصلت إليه تبرعات تقدر بـ 425 مليون دولار (161 مليون دينار بحريني) وهو أيضا أكبر تبرع لحادث أو قضية واحدة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

كلنا يعرف بأن واحدة من أكبرخمس مؤسسات خيرية خاصة في أميركا يملكها بيل جيتس (صاحب شركة ميكروسوفت) وممتلكاتها تقدر بـ 33 مليار دولار (12.5 مليار دينار بحريني) حسب إحصائيات نهاية 2007م، ثم فورد (13.7 مليار دولار) و بول جيتي ترست (10 مليارات دولار) وروبرت جونسون (10 مليار دولار) ووليام هيوليت (8.4 مليارات دولار). أما أكبر خمس شركات تبرعت بمبالغ كبيرة فهي أفينتيس للأدوية (222 مليون دولار) ووول مارت (155 مليون دولار) و بنك أوف أميركا (123 مليون دولار) ومورجان (80 مليون دولار) ثم فورد للسيارات (80 مليون دولار).

ذهبت معظم التبرعات في العام 2006 إلى أكبر خمسة مجالات مستفيدة من التبرعات وهي المؤسسات الدينية كالكنائس (88.3 مليار دولار أي 33 في المئة) والتعليم (33.8 مليار دولار) والصحة (22 مليار دولار) والخدمات الإنسانية (19.2 مليار دولار) والفن والثقافة والعلوم والدراسات الإنسانية (14 مليار دولار).

بقي أن تعرف بأن دخل الجمعيات الخيرية وهي المنظمات غير الهادفة للربح يأتي من الرسوم والضرائب ويمثل 38 في المئة من دخلها ثم مساعدات الحكومة 31 في المئة والتبرعات الخاصة 19 في المئة ومصادر أخرى 11 في المئة.

تقول الإستبانات ان المتبرعين يعطون بقناعة ولديهم يقين في أهمية التبرع والتزام منهم بذلك وليس من أجل التهرب من الضرائب الخ، كما أنهم يعطون بصورة أكبر عندما يثقون أكثر بالمؤسسات الخيرية وعندما يحصلون على معلومات أكثر بشأن نوعية التبرعات المطلوبة وتأثيرها على المجتمع.

أما عن سبب عطائهم الوفير في مجال التبرعات فإن أكبر5 أسباب لذلك هي لأنهم قد تسلموا نداء وفرصة لهم للتبرع من قبل الجمعيات الخيرية التي ينتمون لها أو لديهم شفقة ومؤاساة ورفق لحال الفقراء والمحتاجين أو اقتنعوا شخصيا بالمسعى الحميد والقصد النبيل للتبرع أو تأثروا نفسيا بهذا المسعى للتبرع أو اقتنعوا تماما بأن من واجبهم رد الجميل لمجتمعهم.

من التطورات التي حدثت في مجال التبرعات في أميركا هي أن المتبرعين يفكرون في التبرع للمشاريع والمبادرات الكبيرة وليس فقط المنح والعطايا ويتضح ذلك من خلال زيادة عدد المؤسسات الخيرية الكبيرة الخاصة. نسبة ضئيلة فقط (8 في المئة) من التبرعات صرفت لتغطى الأساسيات مثل الأكل والسكن ونسبة أكبر تقدر بـ 23 في المئة صرفت على أصحاب الدخل المحدود مثل العلاج والمنح الدراسية أو من خلال بعض المبادرات مثل محو الأمية وبرامج التدريب العملي.

كما أن عدد المتبرعين وهم لا يزالون أحياء قد زاد كثيرا مقارنة بالأشخاص الذين يتبرعون فقط ضمن «وصاياهم» التي يتم تنفيذها فقط بعد موتهم.

يحدث هذا في أميركا

الآن فماذا عن البحرين؟

أليس من واجبنا أن نشجع الشركات والمؤسسات الكبيرة بأية طريقة للتبرع لمشاريع تخدم المجتمع بصورة أفضل عبر «المسئولية المجتمعية» التي نتحدث عنها؟

أليس من واجبنا أن نبحث عن أسباب «التراجع» في المشاركة في بعض مشاريع الخير وتشجيعها مثل «الوقف»؟

أليس من واجبنا أن تكون لدينا معرفة ولو بسيطة نوعا ما عن «سلوك» المتبرعين في البحرين ودراسة هذا السلوك وتطويره؟

أليس من واجبنا أن نبنى قواعد بيانات لتكون لدينا المعرفة والإحصائيات عن أحد الاقتصاديات التي يعتمد عليها المجتمع كثيرا وخصوصا الأسر المحتاجة وأصحاب الدخل المحدود؟

أليس من واجبنا أن نتأكد من أن تبرعاتنا للمساجد والمآتم والصناديق والجمعيات الخيرية وحتى تبرعات الشركات الوطنية للأجهزة الحكومية مثل مشاريع الصحة والتعليم... إلخ، تصرف في مكانها الصحيح بما يفيد المجتمع؟

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 2112 - الثلثاء 17 يونيو 2008م الموافق 12 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً