ها نحن نجدد الكتابة عن العطلة الصيفية التي باتت همّا لكثير من أولياء أمور الطلبة، فتجد البحث يستمر من قبل هؤلاء الآباء وتلك الأمهات في محاولة للحصول على منفذ يساعدهم على قضاء أوقات أبنائهم في مجالات مفيدة وغير ربحية تناسب المعاش «المقصص» للمواطن البحريني!
فهناك من يأخذ ابنه إلى مركز سلمان الثقافي، وهناك من يدخل ابنه في ناد صحي، وهناك من يضع يده على خدّه لحرمان ابنه من أي ترفيه في العطلة الصيفية بسبب قصر الحال.
إن الاقتراح الذي سردناه في المقال السابق بشأن توظيف المراهقين والأبناء سيعمل على ضبط عملية هدر الوقت عند المراهقين في العطلة الصيفية، وسيحد كثيرا من المشكلات الطافحة على الساحة البحرينية، مثل الذهاب إلى مراقص اللهو أو مراكز التسلية الخبيثة، أو الانطواء على جهاز الحاسب الآلي.
وفي اعتقادنا أن مشروع التوظيف يجب أن يتبناه مجلس التنمية الاقتصادي لما لهذا المجلس من موازنة مناسبة جدا، ولاهتمامه بالفئة الشبابية بطريقة ملحوظة، وخاصة عندما فتح جامعة «البوليتيكنيك» التي تعتبر مكسبا ولأول مرة للفئة الشبابية البحرينية!
بهذا المشروع سنستطيع تحويل إهدار الطاقة الشبابية إلى عنصر منتج في البحرين، إضافة إلى تخفيف الضغط على ولي الأمر - الموظف والمتقاعد والعاطل - حيث أثبتت التجارب قبل خمس عشرة سنة أن هذا المشروع كان ناجحا جدا.
لنرجع قليلا إلى الوراء ونتمعن في حال الآباء، إذ سنجد قلة المشكلات الاجتماعية، وقوة جسمية قادرة على المضي في كل الأعمال، وأيضا قدرة ذهنية على الحساب والإلمام بالتاريخ والتعامل مع الآخرين، ونتساءل يا ترى كيف صنع آباؤنا هذه الشخصية؟ إن العلوم المعرفية لا ترسخ في الذهن إلا بالتجربة والممارسة؛ فآباؤنا مارسوا الكثير من المهن التي أصبحت مفيدة لهم في حياتهم اليومية، ولو قسنا تعدد المهن التي يعلمها آباؤنا وعملوا بها مقارنة بشبابنا وشاباتنا هذه الأيام فالحصيلة ستكون شحيحة للغاية بالنسبة إلينا وعظيمة بالنسبة لهم. الآباء تعلّموا حرفا كثيرة ومهارات حياتية عدة أفادتهم حينذاك، ولكن مراهقينا وشبابنا يعجزون عن الكثير من الأعمال البسيطة مثل تركيب بعض القطع الخشبية أو مهارات في الميكانيكا أو الطريقة العامة في البناء... الخ، لهذا نحتاج إلى توسيع المدركات العلمية اللازمة، بحيث نتخلص من اعتمادنا على العمالة الأجنبية، فأبناء الوطن أحق من العمالة الأجنبية في التعلّم والحرفنة وسبغ المهارات الحياتية المطلوبة.
ولا شك عندنا في حصول الدولة على نصيب الأسد من إدخال هذه المهارات الحياتية على أبنائنا وبناتنا المراهقين الذين سيفرّغون الطاقة المهدرة في استثمار معنوي ومادي، كما أن الدولة ستوفر الكثير من الجهد في غرس ما يصعب غرسه من محكات تفيد وتعين في إدماج الشعب وتجانسه، فأساس توظيف المراهقين يجب أن يبعد عن أي جمعية سياسية أو تحزبية، وإلا فشل هذا المشروع!
وعلى هذا نتمنى من الشركات والمؤسسات المبادرة في توظيف المراهقين أثناء العطلة الصيفية، ومساعدتهم على اكتشاف الكثير من الجوانب المغيّبة عنهم، التي لا يستطيع الفرد الحصول عليها في الكتب فقط، وإنما يحتاج إلى كسبها عن طريق الممارسة.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2112 - الثلثاء 17 يونيو 2008م الموافق 12 جمادى الآخرة 1429هـ