العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ

جيمس بوند ينتقل إلى الغرب ليحارب الديكتاتورية والفساد

العميل السري 007 يعرض في سينما الدانة

لشريط الأخير من سلسلة أفلام العميل السري البريطاني صفر صفر سبعة (جيمس بوند) التي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي اتجه إلى الغرب بعد أن اشبع الشرق بالكثير من بطولاته وانجازاته. فالسلسلة التي مضى عليها نحو نصف قرن من الحلقات تركزت في بداياتها الأولى على وصف الحرب السرية التي تخوضها المخابرات الأوروبية - الأميركية تحت الأرض ضد المخابرات السوفياتية أو الصينية. إلا أن انهيار «الحرب الباردة» التي جرفت معها الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي أضعفت وظيفة العميل السري بعد أن غاب المنافس الدولي عن مسرح التاريخ في تسعينيات القرن الماضي.

في التسعينيات تشتت موضوعات بطولات بوند فاخذت السيناريوهات تبحث عن دور مميز للعميل السري من خلال ابتكار عدو جديد. فمرة تتحدث عن تعاون بين المخابرات الغربية والصديق الروسي الجديد ضد خصم مشترك. ومرة تتحدث عن خطر إرهابي يهدد العالم. ومرة عن شبكة نمو لها جهات تكره الغرب وتغار منه. ومرة عن مؤامرة دولية تقودها كوريا الشمالية. وهكذا.

سياسة البحث عن عدو جديد فشلت في إعادة إحياء وظيفة العميل السري ما أدى إلى إضعاف السلسلة بعد أن خرج منها كبار الممثلين الذين أخذوا دور «جيمس بوند» الذي لا يتقدم في السن ولا يشيخ.

ضعف الوظيفة وعدم نجاح المشرفين على السلسلة السينمائية في ترويج عدو بديل وعدم تقبل المشاهدين لتلك البدائل دفع المكلفين بوضع السيناريوهات إلى تغيير وجهة بطولات بوند حتى يستعيد هيبته السابقة التي تآكلت مع مرور الزمن.

الفيلم الأخير من أشرطة العميل صفر صفر سبعة الذي يعرض الآن في سينما الدانه توجه نحو الغرب الأميركي وصديقته الخلفية أميركا الجنوبية (كولومبيا وجزيرة هايتي). فالشريط لا يتحدث عن الخطر الروسي أو الصيني أو العربي أو الإسلامي أو الشرقي أو الإرهابي، وإنما عن خطر الفساد الذي ينتشر في الغرب وأوروبا ويهدد المصالح بالتفكك والانيهار.

هذا الجديد في سيناريو «جيمس بوند» يعطي صدقية معينه بدأ يفقدها العميل السري في مهماته. فالفيلم يتحدث عن اختراقات لشبكات المخابرات الغربية، وعن تعاون بعض الحكومات الأوروبية مع أنظمة فاسدة في أميركا اللاتينية، وعن تمويل للأجهزة والمؤسسات الديكتاتورية، وعن صفقات سرية تعقدها شركات أميركية لتمرير مشروعاتها الاقتصادية، وعن صراعات الأجهزة ومراكز القوى وتضارب المصالح وغيرها من نقاط كانت غائبة خلال فترة 50 سنة.

مشاهد الفيلم واسعة في مساحتها الجغرافية ومتنوعة في تقنياتها ومتنقلة من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر. فهناك لقطات أخذت في بريطانيا وايطاليا والنمسا وغيرها من مدن أوروبية. وهناك لقطات أخذت في جزيرة هايتي وكولومبيا.

وتوسيع دائرة الفيلم جاء ليسير إلى خطورة انتشار شبكات الفساد وامتدادها وتداخلها في أكثر من عاصمة. حتى منظمات الخضر والهيئات التي تدافع عن البيئة تعرضت للنقد في السيناريو. فهذه المؤسسات الخيرية التي تدعي الدفاع عن البؤساء والمحرومين والمضطهدين ليست بريئة، بل هي تلعب أحيانا دور الشريك في دعم الأنظمة السيئة وأحيانا أخرى تمويل بعض الجنرالات المتقاعدين للقيام بانقلابات عسكرية مقابل دعم سياسي مشروط بتمرير بعض المشروعات المضرة بالبيئة والناس البسطاء.

سيناريو العميل صفر صفر سبعة يتحدث عن الكثير من التفصيلات تحت عنوان عريض وهو قيام منظمة بيئية بتمويل جنرال متقاعد هارب إلى هاييتي وبتشجيعه على القيام بانقلاب في كولومبيا مقابل توقيع عقود بعد استيلائه على السلطة تقضي بتنازله عن منطقة صحراوية (غنية بمجاري المياه العذبة) تحت ستار إنساني. فهذه الفكرة المركزية تشكل جوهر الموضوع وحولها تتوضح تلك الصور التي تتحدث عن صراع المخابرات ودور مراكز القوى في السلطات الغربية في إدارة لعبة المصالح في الخفاء وبالتعاون مع أجهزة فاسدة تدعي مكافحتها علنا وتتحالف معها سرا.

وظيفة جيمس بوند كانت في فيلمه الأخير مغايرة عن كل أدواره السابقة، إذ إنه يتواجه هذه المرة مع مسئوليه حين يتكشف ذاك التواطؤ بين إدارته وجهات سيئة وفاسدة تعمل على إفقار دولها وتجويع شعوبها مقابل رشوه أو توقيع صفقات مشبوهة. وبسبب تلك المواجهة يلاحظ بوند وجود اختراقات للأجهزة وشبكات تابعة للمخابرات الأميركية تتعامل من تحت الطاولة مع جنرالات ومؤسسات البيئة (الخضر) بقصد خداع الرأي العام.

المعركة التي خاضها العميل السري هذه المرة كانت طويلة وممتدة. فهو من جهة يقاتل الأنظمة الفاسدة والديكتاتوريات العسكرية، ومن جهة يواجه هيئات وشركات ومؤسسات تتغطى بالأعمال الخيرية وحماية البيئة. وكذلك يواجه مراكز قوى في دولته ومصالحها وتعاونها مع جهات سيئة بذريعة تنافسها مع أجهزة أميركية أو كندية تخطط من جانبها للاستيلاء على منابع النفط ومجاري المياه الجوفية في كولومبيا. المعركة في النهاية الجوفية في كولومبيا يحسمها بوند لمصلحة وجهة نظره على رغم التحذيرات والتهديدات التي تلقاها لمنعه من العمل وطرده من الوظيفة ومحاولة قتله إذا تدخل في أمور كبيرة لا تعنيه وتمس بأمن الدولة ومصالحها. بوند يرفض المساومة ولا يتراجح ويواصل مهمته منفردا وبمساعدة صديق بعد أن سحبت رخصته من المخابرات وقطع عنه التمويل والقيت بطاقاته.

نهاية الفيلم تعلن فوز الخير على الشر مقابل شكر وتنويه واعتذار من الجهاز السري الذي يعمل به. والنهاية المتسرعة التي أعطت بعض الاعتبار لجيمس بوند أعادت جزئيا تلك الصدقية التي يحتاجها العميل السري لتبرير دوره المقبل في شريط جديد

العدد 2302 - الأربعاء 24 ديسمبر 2008م الموافق 25 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً